أقنعة الغزو الثقافي

mainThumb

27-11-2010 07:54 PM

لقد راج في الآونة الأخيرة بأن الغزو الثقافي وَهْمٌ من الأوهام. ويدعي كثير من مؤيدي الغرب إلى ان القضية متكلفة ومبالغ فيها، أو انها وهمية مصطنعة؛ و حجتهم في ذلك بأنه لا مجال في عالم اليوم الذي تتواصل فيه الثقافات وتتفاعل أنماط السلوك الإنساني للحديث عن «غزو ثقافي» وخاصة بعد سقوط الجدران والأسوار الحديدية التي كانت تحيط ببعض البلدان «ولم يعد أحد بقادر على رفع سياج حول بلده» على حد تعبير إدغار بيزاني مدير معهد العالم العربي في حديث له حول هذه القضية .


والحقيقة التي يمكن استخلاصها من تحليل طبيعة العلاقات التي تسود بين الأمم والشعوب والثقافات والحضارات ، تؤكّد لنا أن الغزو الثقافي، بشقَيْهِ الإيجابي والسلبي، هو مظهرٌ من مظاهر هذه العلاقات لا سبيل إلى إنكاره . وعليه يمكن القول ان الغزو الثقافي هي قضية واقعية حقيقية يعيشها العالم. وهي لا تقتصر على العرب وحدهم دون خلق اللّه .

يتخ
ذ الغزو الثقافي العديد من الأقنعة ، فقد  لوحظ في  الآونة الأخيرة على أبناءنا في مدارس  المدن والأرياف على حد سواء التغير في السلوك والعادات والتقاليد التي أصبح الكثير منها مسلماً بها . حيث أصبحت التقليعات في الملبس والمظهر من قص للشعر وتلاعب في الهيئة سمة لكثير من أبناءنا . لا ادري أهذا التقدم الذي يراه البعض منا مسلما به ! أم هو مصداق قول رسول الله صلى الله عليه وسلم " لتتبعن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة حتى لو دخلوا جحر ضب خرب لدخلتموه "  فو الله إن القلب ليحزن حينما ترى شباب في سن الورود يلهثون وراء ذلك في سباق لنيل شرف السبق !



الكثير من طلابنا أيها السادة  لا ينتبهون الى ما كتب على قمصانهم  ، حيث انتشرت على ملابس طلابنا بعض الكلمات بخط عريض بارز ،تعكس دلالات فكرية وعقيدية وأخلاقية متعددة قد تكون عالية أو سافل ة ،   ولك أن تتخيل رجلاً محترماً  كتب على صدره أو ظهره: Kiss me قبلني ، Take me خذني ، Follow me اتبعني، Buy me اشتريني ، Synagogue معبد اليهود ، Cupid إله الحب عند الرومان، Brew شراب مخمر، Brahman كاهن هندوسي ، Brandy مشروب مسكر، I am Jewish أنا يهودي ، Adultery زنا ، Adulterer زان، Atheism إلحاد Good Without God   جيد بدون الله .


كم تحس  بالحرقة والمرارة حينما ترى ملصقاً على حقائب بعض طلابنا الصغار و الكبار  في مدارسنا مكتوب عليها  US ARMY ، أو عندما تشاهد أحدى الفتيات مرتدية تي شيرت مكتوب عليها   For Sale  والكثير من العبارات  التي لا ينتبه شبابنا لخطورتها عند ارتدائها، قال رسول الله  صلى الله عليه وسلم ) : أتقوا فراسة المؤمن فأنه يبصر بنور الله ، وينطق بتقوى الله (.  


ليس هذا فقط  فالرسوم الغرامية المطبوعة على الثياب في غاية من جمال اللون، ودقة الأداء، ولفت النظر، فترى شاباً يحتضن فتاة، أو امرأة شبه عارية في وضع يفتن الصخر ويذيب الحديد، أو ثوراً من ثيران المصارعة شبه عار.


وقد وصل الغزو الثقافي إلى حد إهمال اللغة العربية في الكليات العلمية  وبالتحديد الطب والصيدلة والهندسة، حيث يجرى التدريس فيها باللغة الإنجليزية دون اللغة العربية . وفي هذا السياق لا بد أن أذكر بموقف اليابان التي رفضت بإصرار شديد، أي تعديل في لغتها من جانب الأمريكيين عند توقيع معاهدة السلام عام 1950م.

 

 كما نلاحظ في بعض الدول العربية مسألة شيوع اللهجة العامية في معظم  القنوات الفضائية والإذاعات العربية بالإضافة إلى بثها مجموعة من المسلسلات المبدلجة التي لا تمت للواقع العربي بصلة ،والتي تسهم في اشاعة النماذج الغربية من البرامج التي تحفل بانواع فنون الاثارة الجسدية والغريزية وبمواصفات قد لا نجدها حتى في القنوات الفضائية الاجنبية. و التي تتعارض مع مقومات التنشئة الاجتماعية العربية وتحمل توجهات فكرية ملغومة تريد تدمير الواقع العربي وثقافة المجتمع وقيمه.


أتمنى أن لا يظن البعض أنني أحارب ثقافات الغير ، بل إنني أشجعها وأتعامل معها كوسيلة من وسائل إثراء العقل ، وأجدها سبباً في تهذيب كثير من العادات والتقاليد ، لكن أرفض نزوات ثقافات الشعوب التي لا تناسب ثقافتنا ، وثمة رسالة موجهة إلى التربويين الأفاضل مفادها إنه من  الخطأ أن نظن أن مجرد حشو الأذهان  بالمعلومات المقررة وتوصليها إلى الأذهان يؤدي إلى تربية الرجال ويرتقي بهم إلى الكمال، أويؤدي إلى إصلاح النفوس، وإلى الرقي الروحي والأخلاقي والاجتماعي، و مواجهة الغزو الثقافي بكافة أقنعته ، نحن نحتاج إلى خطة علميّة وتطبيقيّة للمؤسسات الإعلامية و الدينية ولصناع القرار التربوي ورجال التربية والتعليم في كيفيّة مواجهة الغزوالثقافي وسبل المواجهة العلميّة لمضامينه ومصادره، وخطة لتحصين الشباب ضد  الظواهر السلبية في الحياة المعاصرة.


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد