حب الوطن من اسس الدين

mainThumb

15-11-2010 08:29 PM

لا يخفى علينا جميعاً مسألة الأوطان وحبها، وما تحمله من معان تتعلق بشغاف القلوب، فعلى الأوطان نشأنا، وعليها ترعرعنا، وعلى ترابها ومن خيرها تكونت عقولنا وغرفنا من معين علمائها ومربيها، وحب الوطن والانتماء إليه ليست شعارات تطلق أو مجرد أغان يتغنى بها المغنون، فالمعنى أعمق وأشمل من ذلك بكثير ..


إن حب الوطن والانتماء إليه من أسس الدين، ولا ينفك ذلك عن تعاليم الإسلام الحنيف، كيف لا وقد أعتبر الإسلام النفي خارج الأوطان من العقوبات المغلظة ، فيقول تعالى في حد الحرابة، وهو الحد الذي يكون في حق من يخرجون عن تقاليد الدين ويروعون الآمنين وينشرون الفساد بكل صوره في الأرض،قال تعالى فيهم:{إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ} المائدة/ 33، وقد تغلل حب الأرض في قلب النبي – صلى الله عليه وسلم والصحابة الكرام ،فهذا رسولنا - صلى الله عليه وسلم- يقول في كلمات تستحق أن تكتب بماء الذهب، كلمات يعبر فيها عن مدى ارتباطه بالأرض التي نشأ بها واشتذَّ عوده بها ، فقال عند هجرته من مكة إلى المدينة:ما أطيبَك من بلدٍ! وما أحبَّك إليَّ! ولولا أن قومي أخرجوني منك،ما سكنتُ غيرَك)،فهذه كلمات مضيئات يعبر فيها عن عمق محبته وصدق دعوته للمسلمين أن اقبلوا على حب بلادكم وأوطانكم،وابذلو ا الغالي والنفيس؛ كي تعيشوا على ترابها وتأكلوا وتشربوا من فيض الله على هذه الأوطان . فقد ذكر الإمام الحافظ شمس الديني الذهبي عن بعض الأمور التي يحبها رسول الله- صلى الله عليه وسلم – فعددَّ قائلاً : كان رسول الله – صلى الله عليه وسلم– يحبُّ عائشةَ، ويحبُّ أَبَاهَا، ويحبُّ أسامةَ، ويحب سبطَيْه، ويحب الحلواء والعسل، ويحب جبل أُحُدٍ، ويحب وطنه". ولقد أحبَّ الصحابةُ أوطانهم وبلادهم التي نشأوا فيها ، ولكن حبهم لدين الله - عز وجل – كان أكبر وأعمق ،فقد أُخرجوا - رضوان الله عليهم - من مكة، فهاجَرَ مَن هاجر منهم إلى الحبشة، وهاجروا إلى المدينة، خرجوا حمايةً لدينهم، ورغبةً في نشر دين الإسلام. فالوطن لدى المسلم يعنى الوطن العام، الوطن الأم، بلاد الإسلام كلها على وجه العموم، ثم يكون ولائي وانتمائي لكل مسلمي العالم في شرق البلاد وغربها ، فالأقليات المسلمة في بلد كثير ساكنيها غير مسلمين ، يكون ولائي وانتمائي لكل إخواني المسلمين ، ولا يكون ذلك إلا من خلال تقوية الصلات بين أبناء الوطن الواحد ، فقد دعا الإسلامُ إلى فِعل كلِّ ما يُقوِّي الروابطَ والصلات بين أبناء الوطن الواحد، ثم بين أبناء الأُمَّة، ثم بين بني الإنسان، ويظهر ذلك جلياً من خلال صلة الأرحام، فهم عترة الإنسان وخاصَّتُه، وهم قرابته وأنسه، وبهم تطيب الإقامة في الديار؛ لذلك جعل الله صلةَ الأرحام من أعظم القُرُبات، وقطيعتَهم قرينَ الإفساد في الأرض ، فقد قال الرسول - صلى الله عليه وسلم -: ((إن الله خَلَقَ الخلْقَ، حتى إذا فرغ منهم، قامَتِ الرَّحمُ فقالت: هذا مقامُ العائذ من القطيعة، قال: نعم، أمَا ترضَيْنَ أن أصلَ مَن وصَلَك، وأقطع مَن قطَعَك؟ قالت: بلى، قال: فذاك لكِ))، ثم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: اقرؤوا إن شئتم: {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ * أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} محمد:[ 22 – 24 ] ، ثم تتسع الدائرة لتشمل دائرة الجار ، ثم تتسع الدائرة لتشمل المسلمين عامة قال - صلى الله عليه وسلم - : (لا يؤمن أحدُكم حتى يحبَّ لأخيه ما يحبُّه لنفسه) ، وتتسع دائرة الانتماء كذلك لتشمل أهل الأديان الأخرى، فهم شركاؤنا في الوطن، وجاء عن رسول الله - ‏‏صلى الله عليه وسلم - ‏أنه ‏قال: ( ألا ‏مَن ظَلَمَ ‏ ‏مُعَاهدًا، ‏أَوِ انْتَقَصَهُ، أَوْ كَلَّفَهُ فَوْقَ طَاقَتِهِ، أَوْ أَخَذَ مِنْهُ شَيْئًا بغَيْرِ طِيبِ نَفْسٍ - فَأَنَا ‏حَجِيجُهُ ‏‏يَوْمَ القِيَامَةِ) ، وليس ذلك بحسب بل شمل الحيوان، والنبات، والحجر، وكلَّ شيء؛ كيف لا ، وقد قال - صلى الله عليه وسلم - :(إن الله كَتَبَ الإحسان على كل شيء).


 فهذا هو ديننا، وهذه هي عقيدتنا، دين خاتم، دين لا يأتي منه إلا الخير والإحسان لكل من يحيط بالإنسان، فالحمد لله على نعمة الإسلام وكفى بها نعمة، فلتفخروا بدينكم وتعتزوا به أخوة الإسلام .

shnnagra@yahoo.com



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد