المعلمون رسل ثقافة ودعاة إصلاح

mainThumb

04-10-2010 03:48 AM

 المعلمون هم رسل ثقافة, ودعاة إصلاح وتطوير, ورواد تجديد وإبداع تروي السيدة عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " معلم الخير يستغفر له كل شئ حتى الحيتان في البحر " أخرجه البزار وصححه الألباني  إن المعلم هو صاحب الشخصية المستقرة في نفس الإنسان المتعلم, وهو الخبير الذي أقامه المجتمع لتحقيق أهدافه التربوية, وهو القيم على التراث الثقافي وهو الذي يضع السياج حول التراث المقصود ويعمل على تعزيزه, والمعلم يعتبر حجر الزاوية في المسيرة التربوية, ويكاد يمثل الجسر الذي يربط بين التغيرات الأساسية في المجتمع والكائن الحي الإنسان عضو المجتمع, فهو إذن من الركائز الأساسية في بناء الصرح القومي المنشود.


إن نجاح أبنائنا وبناتنا يعتمد على نوعية المعلم الذي يواجهونه كل صباح, حيث يعلم جميعنا أن كثيراً من المعلمين كانوا هم في طليعة الحركات الثورية التي أطلقها المجتمع للتحرر من العبودية والاستعمار, وكان طلابنا يجدون ملاذهم في ذاك النوع من المعلمين لقراءة المنشور السري أو لقيادة الهبّات الوطنية التي تجتاح شوارع مدننا, لذا فإن تحسين  التعليم والتربية يعتمد على تحسين تربية المعلمين, وتحسين التعليم يرتكز على تحسين المدرسة, وهذه تؤدي إلى تقوية الجيل الناشئ, وتقوية هذا الجيل هو واجب اجتماعي يؤدي إلى قيام المجتمع بدوره في الدفاع عن حقوقه ومكتسباته في مواجهة كل محاولات الاعتداء عليها وعلى الأوطان, فالوطن والمواطنون يجد في المعلمين وأبنائهم الطلبة الملاذ الذي يحمي والسند الذي يدافع والدرع الذي يقي من الهبّات العاتية.



إن المعلم العربي يفهم طبيعة المجتمع العربي ويشخص أمانيه وآماله ويعرف تفاصيل أبعاده, فهو القادر على معرفة المعوقات التي تقف في طريق تحقيق الآمال والأهداف, وهو القادر على تحديد الداء والدواء, فإذا كان قادراً على تشخيص مشاكل طلابه فإنه يستطيع تشخيص مشاكل مجتمعه فالإنسان ابن المجتمع,



والمعلم مرحلة متقدمة من هذا المجتمع بحكم وعيه وثقافته وسعة اطلاعه ومبادئ أمته التي يهتدي بنورها في طريقة تعامله مع طلابه, وفهم المعلم لمشاكل طلابه كما هو فهمه لمشاكل مجتمعه تساعده على أداء رسالته بشكل أكثر وضوحاً وأكثر قدرة في الوصول إلى تحقيق غاياته وأهدافه.



المعلم الماهر هو ذاك الواعي لأهداف التربية عموماً والعملية التربوية بشكل خاص, وهو بدون شك ذاك المثقف الذي يعرف تفاصيل الحياة بكل جوانبها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والأمنية, وهو المتجدد دوماً في ضوء تجدد المعرفة وتفاعلاتها وانعكاس ذلك على المجتمع الذي يعيش فيه.



لأن التربية قادرة على تغيير المجتمع نحو الأفضل, فالعالم الجديد الذي نود بناءه يحتاج إلى إنسان جديد, وليس هناك من طريق إلى ذلك إلا طريق التربية ولا أحد يملك مقود التغيير وتحريكه إلا المعلم, "فلا ثورة في الدولة إن لم تسبقها ثورة في التربية, ولن يكون هناك من ثوار إلا طلائع المعلمين ومن جنود أوفياء يسلكون طريق التغيير ويعملون على تعبيده غير الطلاب الذين تتلمذوا على أيدي هؤلاء المعلمين.



إن المدرسة الفعالة هي التي تفعل فعلها في الطفولة وليست السياسة والاقتصاد بأن تنقذ العالم, وهدف التربية أن نصل عن طريق العمل إلى صياغة المجتمع صياغة خلقية وأن المجتمع لا بد بالغ ما يريد عن طريق الإصلاح التربوي الذي يبشر به, فإذا كانت المدرسة تقوم بهذا الدور الرائد في عملية تغيير وتطوير الإنسان الفرد والمجتمع, فمن القائم على العملية التربوية داخل جدران المدرسة? أليس هو المعلم, ولكن ليس أي معلم, إنما هو المعلم الذي يقف في الخندق الأمامي لطموحات وأماني مجتمعه, وهو في نفس الوقت الذي يعي الدور الذي يقوم به تجاه المجتمع, فالناس من خلال التعليم يخرجون من حد الهمجية إلى حد الإنسانية, وفي هذا يقول الإمام الغزالي "لولا العلماء لصار الناس مثل البهائم.




وقال أحد المربين "إن التربية عملية ينتقل بها الإنسان من الهمجية إلى المدنية", ويشير البعض إلى أن السبب الذي من أجله نحتاج إلى التربية هو أن الأطفال لا  يولدون بشراً, بل يصيرون بشراً بفضل التربية" هذا هو دور التربية التي لا يمكن لها أن تؤدي دورها إلا من خلال المعلم الذي انتدبه المجتمع لصقل مواهب أبنائه المعلم هو الذي يعمل على تفجير الطاقات الكامنة لدى الإنسان الطالب, فهو يحرر الطالب من الشعور بمركب النقص الذي يلازمه, كونه قليل الخبرة ولا يستطيع التمييز بين الأشياء, فهو كالفنان يرى مالا تراه العين ويرى الطاقة الكامنة التي لا يستهان بها, والمعلم هو الذي لا يدع ينابيع الطاقة على الخلق والإبداع أن تنضب من نفوس طلابه لأنه يمد تلك الينابيع بالأفكار والآراء والمعرفة والأمل مما يساعد طلابه على الاتصال بالثقافة والعيش حياة مليئة وغنية, ويزودهم بالإحساس على القدرة والأهمية, ويحررهم من الأوهام, ويساعدهم على الانعتاق من القيود الشخصية سواء كانت روحية أم عقلية أم جسدية, ويقوي فيهم الشعور بالفخر والاعتزاز والقيمة الذاتية ويطالبهم بالمسؤوليات الملقاة على عاتقهم كأفراد في المجتمع .




المعلم بمستوى الثقافتين: ثقافة الذات وتثقيف الآخرين, إنه يمد تأثيره بين كل طبقات المجتمع, وبين كل أجيال الشعب, وعلى هذه الثقافة التربوية, تتفتح مواسم المعلمين في المدرسة, والمعاهد, والجامعات, وفي المجتمع أُسراً ومنظمات, والمعلمون عظماء وأنصاف عظماء, فنصف العظيم موهوب في فن التعبير عن ذاته, أما العظيم  فموهوب في فن إثارة الآخر ولتحقيق ذاته.



إن الأنبياء معلمون, والفلاسفة معلمون, والمعلمون التاريخيون معلمون, فالمعلمون هم رسل ثقافة وعلم ومعرفة, ودعاة إصلاح وتطوير, ورواد تجديد وإبداع وابتكار في أممهم ومجتمعاتهم, وهم نبض التطوير وروحه وحركته, وهم الذين يصنعون عقول الأجيال المتعاقبة, ويبنون أخلاقاً هم يتحملون وصل الماضي بالحاضر, ووصل الحاضر بالمستقبل في أذهان أبناء المجتمع وقلوبهم إن تحديات المستقبل لا بد وأن تؤثر على دور المعلم ومهماته التي لا بد وأن يعيها المعلم حتى يتمكن من أداء رسالته على أكمل وجه وهي على النحو التالي -  الانفجار السكاني.-  الأزمة البيئية -  تداخل المجتمعات العالمية. //  التفجر المعرفي .//  ثورة المعلومات  -  ثورة تكنولوجيا الاتصالات //  العولمة//  الهيمنة الإمبريالية الغربية في مجال الابتكارات والاختراعات- الصهيونية العالمية واحتلال فلسطين .-  التجزأة والفقر والتخلف. 


إن من أهم الوسائل التي تساعدنا على بناء استراتيجيات لمواجهة هذه التحديات هو الأخذ بشعار التربية المستديمة التي تجعل من الإنسان متعلماً طوال عمره, والتركيز على مهارات التعلم الذاتي التي تجعل من الإنسان قادراً أن يعلم نفسه بنفسه مع أقل قدر من المساعدة سواء من المعلم أو من الآلات التعليمية مثل الحاسوب, والآلات الإلكترونية الأخرى, ويرتبط بالتعلم الذاتي قضية التعليم عن بعد كوسيلة لمواجهة تزايد الطلب على التعلم, وبأقل جهد وكلفة ممكنين, مما يساعد في أن يتعلم كل فرد حسب طاقاته وبالسرعة التي تناسبه, كما يتطلب التعليم عن بعد استعمالاً أوسع للوسائل التعليمية التي  تساعد المتعلم على فهم ما يتعلمه بشكل أفضل, ولا بد من الاستفادة من الإمكانات الهائلة التي توفرها وسائل الاتصال والإعلام والهيئات الحكومية والخاصة "غير المدرسة"من أجل تنفيذ عملية التعليم بكفاءة وفعالية.




إن التربية المستديمة تركز على أربع دعائم رئيسية يجب على المعلم العربي أن يسعى لتحقيقها وتعزيزها لدى المتعلم وهي : التعلم للمعرفة  تعلم كيفية البحث عن مصادر المعلومات, وتعلم كيفية التعلم للإفادة من الفرص التعليمية المتاحة مدى الحياة. -  التعلم للعمل اكتساب المتعلم للكفايات التي تؤهله بشكل عام لمواجهة المواقف الحياتية المختلفة, وإتقان مهارات العمل الجماعي, في إطار التجارب والخبرات الاجتماعية المختلفة. -  التعلم للتعايش مع الآخرين اكتساب المتعلم لمهارات فهم الذات أو الآخرين, وإدراك أوجه التكافل فيما بينهم, والاستعداد لحل النزاع, وإدارة الصراع, وتسوية الخلافات, والحوار في إطار من الاحترام والعدالة والتفاهم والسلامة. -  تعلم المرء ليكون أن تتفتح شخصية المتعلم على نحو أفضل, وأن لا تغفل التربية المستقبلية أي طاقة من طاقات الفرد, بما فيها الذاكرة, والاستدلال, والتفكير, والحس الجمالي, والقدرات البدنية, والقدرة على التواصل  .




في ضوء ما سبق لا بد وأن تكون هناك ملامح واضحة للمعلم الذي نريد على الأصعدة الشخصية, والفكرية والإنسانية والمعرفية والمهنية والمتمثلة فيما يلي: -  أن يستند في عمله وسلوكه وممارسته إلى قاعدة فكرية متينة وعقيدة إيمانية قوية. -  أن يدرك أهمية المهنة التي يمارسها وقدسية رسالتها. -  أن يدرك موقعه وأهمية دوره في عصر العولمة. -  أن يدرك أهمية التغيير الجذري الذي طرأ على طبيعة دوره ومسؤولياته. -  أن يدرك أهمية الفئة التي يتعامل معها وبأنها النواة للتغيير والتطوير والتقدم. -  أن يدرك أن مهنة التعليم لها قواعد وأصول وتتطلب امتلاك كفايات معرفية ومهنية وإنسانية. -  أن يدرك أنه في عصر ثورة المعلوماتية وتقنية الاتصال المتطورة.  أخيراً ما هو المطلوب من المعلم العربي تحديداً بالإضافة إلى  ما سبق؟ إذ إن هذه الملامح تشمل النظرة إلى معلم المستقبل أينما كان, ولكن لكل أمة تحدياتها التي قد تنفرد بها ومن هذه التحديات التي تواجه الأمة العربية ما يلي: -  محارية التجزئة والفقر والتخلف في الوطن العربي. -  مواجهة الصهيونية العالمية وخطرها على أرض فلسطين. -  مواجهة الإمبريالية وبشكل خاص الأمريكية التي تسعى للهيمنة على الأرض العربية ومقدرات الأمة وطمس هويتها. -  مواجهة العولمة بأشكالها وأنواعها, والاتفاقيات الدولية التي تهيمن عليها الولايات المتحدة الأمريكية. -  رفض سياسات الصندوق الدولي والبنك الدولي وبشكل خاص على الأرض العربية. -  السعي لامتلاك المعرفة والتكنولوجيا والعمل لتكون ملائمة لمنظور التطور في المجتمع العربي. -  رفض القواعد العسكرية الأجنبية والتحالفات العسكرية مع القوى الخارجية.



إن على المعلم العربي أن يكون في مستوى هذه التحديات حتى يكون في الخندق الأمامي للدفاع عن الأمة والأخذ بيدها نحو آفاق التقدم والتطور, ومما يجدر بالدول العربية أن تضع مجموعة من المعايير لاختيار الأفراد, الذي يرغبون في مزاولة مهنة التعليم والعمل على رفع مستوى هذه المهنة ومنتسبيها, حيث لاحظنا الدور الهام الذي يمكن أن يقوم به المعلم بشرط أن تتوافر له الحرية الكافية لأداء دوره, لأن من لا يملك الحرية لا يستطيع غرسها في نفوس الآخرين وبشكل خاص التلاميذ.

 

shnnagra@yahoo.com


- لجنة معلمي الاردن اربد



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد