السلطة والخيار

mainThumb

25-08-2010 07:00 AM


قرار تاريخي واستراتيجي هذا الذي اتخذته الحكومة بوقف تصدير الخيار؛ حفاظاً على خيارات المواطنين، وحقهم المشروع في الحصول على صحن سلطة في وجبة الافطار الرمضانية، وخاصة في هذا الجو الحار اللاهب!!



وبقدر ما أثار هذا القرار تقدير وثناء المواطنين وخاصة الطبقات المسحوقة، فإنه أثار الاستغراب كون الحكومة سكتت وأصمت أذنيها على كثير من الأمور التي تهم المواطنين وتؤثر على معيشتهم ولقمة عيشهم، ولكنها ثارت حميتها عند الخيار ورفعت الصوت عالياً بضرورة وقف تصديره!



ويتساءل المواطن الشكاك بطبعه عن مغزى هذه الخطوة غير المسبوقة؟ ولماذا؟ ولم؟


وتفاوتت التحليلات في تفسير قرار وقف تصدير الخيار، وذهب الشطط ببعضها كل مأخذ، فغربت وشرقت تستكشف كنه هذا القرار وأسبابه وآثاره المستقبلية على المواطن الأردني ودول الجوار!!



ومن باب المساهمة في هذا الحوار الوطني، فإني أظن أن حرص الحكومة وتصميمها وعزمها الشرس على وقف تصدير الخيار لينعم به المواطن الصائم الصابر هو من باب الحفاظ على خيار المواطنين بعد أن فقدوا كل الخيارات الأخرى التي استأثرت بها الحكومة من باب الأبوة والحرص على المصلحة العامة وممارسة لولايتها المطلقة على المواطنين ومقدراتهم، فلا يعقل أن تترك الحكومة الشعب دون خيار وتسلبه حتى أعز مكونات صحن السلطة في رمضان القيظ والرمضاء.



ويصب قرار وقف تصدير الخيار في حرص الحكومة على أن يستمتع المواطن ويتلذذ بصحن السلطة، بعد أن استولت الحكومة على كل السلطات بدءاً بالسلطة التنفيذية ومروراً بالسلطة التشريعية، وتدخلت في السلطة القضائية، وتوشك أن تنقض على السلطة الرابعة بعد أن طوت جزءاً كبيراً منها تحت أبطيها، ولذا اهتمت الحكومة أن تترك للمواطنين صحن سلطتهم ليتركوا لها بقية السلطات، ولينعم كل بسلطته، ولا يتعدى أحد على سلطة أحد، من باب فصل السلطات وعدم تداخلها وتناقضها وتضاربها.



نعم أيها السادة، أصبح المواطن الأردني المغلوب على أمره بين سلطتين: سلطة يأكلها وسلطة تأكله، بين سلطة يأكلها على وجل وعلى عجل، وسلطة تأكله دون خجل أو كلل أو ملل.



للخيار بدائل كثيرة تصلح أن تنوب عنه في صحن السلطة مثل الخس والجزر والفليفلة والبقدونس والنعنع والجرجير والملفوف وغيرها، ولكن لا بديل عن كرامة المواطن وحريته. يستطيع المواطن أن يقاطع الخيار وكل مكونات السلطة ويتسامح مع مسببي الحرمان، ولكنه أبداً لن يتساهل مع من يذيقونه كأس المهانة والمرار. قد ينحنى الرأس قليلاً، لكنه سرعان ما ينتفض عالياً شامخاً أبياً!!



الخيار ليس قدراً لا يستطيع المواطن أن يستغني عنه، فقد أثبت الأردنيون على مر السنين أنهم يصبرون على الجوع والعطش، وكم من أيام عجاف عاشوها على الخبز والملح، وعلى الخبز والبصل، وعلى الخبز والشاي، بل وعلى الخبر الجاف مع الماء، ومطلبهم ليس الخيار يأكلونه ويزينون به صحن سلطتهم، ولكن خيارهم الوحيد أن ترحل هذه الحكومة وأن تنزل عن ظهورهم وأكتافهم، فقد أضحت ضيفاً ثقيلاً، وحملاً وبيلاً، بعد أن عم شرها وخص خيرها، لا يجد لها مادح حسنة، ولا قادح إلا كل خطيئة.

mosa2x@yahoo.com



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد