أزمة الضمير

mainThumb

07-08-2010 06:43 AM

 الضمير هو قدرة الإنسان على التمييز بين الحق و الباطل ، هو الذي يؤدي إلى الشعور بالندم عندما تتعارض الأشياء التي يفعلها الفرد مع قيمه الأخلاقية، وإلى الشعور بالاستقامة أو النزاهة عندما تتفق معها الأفعال ، هو الرقيب على جميع تصرفاتنا،  ويتضح ذلك  من خلال الممارسات اللفظية التي  ينعت  بها بعضنا بعضاً، هو  شيء معنوي يمثل الحارس الداخلي ، والواعظ النفسي عند غفلتنا أو انحرافنا ولذلك قيل: "إذا لم تتخذ لك من نفسك واعظاً فلن تنفعك المواعظ".



كثير ما يتردد على ألسنة أهل الخير قولهم: "ضميري يعذبني، ضميري غير مستريح، ضميري  يؤنبني" ، و على النقيض من ذلك نسمع أوصافاً عن أهل الشر مثل: "فلان ضميره ميت، ضميره في إجازة، ليس عنده ضمير".



يرى الغزالي أن نشاط الضمير يظهر في ثلاثة مواطن، الأول قبل الشروع في العمل، بالنظر إلى الباعث عليه، فإن كان لله أمضاه، وإن كان لغيره أنكف عنه، والثاني عند الشروع في العمل، بقضاء حق الله فيه، وإنجازه على أكمل ما يُمكن، والثالث بعد العمل، وذلك بمحاسبة النفس على ما وقع منها.



حين يموت الضمير يُصبِح كل شئ مباح : كلام الزور ، الخيانة، اغتيال الشخصية ، تهون الأوطان ، يُزيف التاريخ ، تتبدل الحقائق ، يتحول الإنسان لوحش كاسر ينتظر فريسة للانقضاض عليها ، تظهر الإنسانية كلمه لا معنى لها و لا رديف، تتعطل إنسانية الفرد وتفقد حواسه قيمتها، و تصير الأسنان حادة و اللحم الإنساني سهل المضغ، ويصبح الحلال حراماً و الحرام حلالاً ، تغفو العقول وتثور الأحقاد، تتحجر القلوب ، فلو أقدم صاحب الضمير الميت على كل موبقة واجترح كل خطيئة واقترف كل إثم ما طرفت له عين ولا تحرك له فؤاد ولا أحس بندم ولذا كان مثله وبالاً على نفسه وخطراً على مجتمعه.



وفي الجانب الأخر ، فإن صاحب الضمير الحي هو إنسان مرهف  الحس ، يقظ الضمير،  حيّ القلب ،  هو من نفسه في راحة إذ يجنبها  موارد الهلكة، الناس منه في عافية؛ إذ يسلمون من بوائقه وغوائله، الضمير الحي يبعث الحياة في كل من حوله، الضمير الحي لا يؤذي غيره ليصلح حاله، ولا يتسلق على ظهر غيره، ولا يتسلط على الضعفاء من حوله، ولا يستعلي على غيره من البشر. الضمير الحي هو رائد صاحبه نحو حياة سعيدة هانئة صالحة لا يشوبها قلق الاتهام ولا الخوف من المستقبل ولا دعاء المظلومين ،  الضمير الحي يعيش في كنف نفس آمنة مطمئنة.



و السؤال الذي يطرح نفسه : لماذا أهملنا الضمير في هذا العصر وأعطيناه إجازة مفتوحة ثم أمتناه بعد ذلك في داخلنا؟! والجواب عن السؤال معروف للجميع؛ وهو أننا أردنا أن نعيش بغير ضمير؛ لنستريح من مطاردته لنا، ومعارضته إيانا عند ارتكابنا لقبائح أفعالنا ومساوئ أخلاقنا؛ ليصير كل شيء سهلاً ميسوراً، ولنتمكن من تسمية الأشياء بغير أسمائها فلا مانع من تسميه الرشوة (هدية) ، والإتاوة (إكرامية) ، و المحسوبية (خدمة)  ولا بأس أن يعم هذا الحال معظم الأجهزة الإدارية ويمارسه علانية الإنسان في مختلف مواقعه  ، و من المؤسف حقاً  أنه أصبح  من لا يمارس تلك الجريمة النكراء؛ يتهم بعدم الوعي و التخلف وقصور الفهم ،  إننا لا نستطيع في هذا المجال أن ننسى أن هناك مجموعة كبيرة من الناس الشرفاء الذين لا يمكن لهم أن يبيعوا ضمائرهم بملء الأرض ذهباً، ويفضلون الفقر مع العفة على الغنى مع عدم الضمير؛ لأنهم أهل اليقظة حقاً؛ وهم الذين يشعرون براحة   الضمير ، وإن ضاقت نفوسهم بسبب ما يدور حولهم.



لا تيأس صاحب الضمير الميت أن الضمير قابل للرجوع بعد غياب، ولليقظة بعد نوم، وللحياة بعد موت؛ والدليل أنك تجد أحياناً كبار المجرمين، وعتاة الظلمة، ومحترفي العصيان يرتدعون عن إجرامهم، ويتخلصون من مظالمهم ويتوبون من ذنوبهم ولا بعد حين .



إن مخافة الخالق تخلق الضمير الحي الذي يصحب الإنسان في الخلوة والجلوة. بينما القوانين لا تراعي إلا حيث يخاف الإنسان من الوقوع في قبضة السلطة القائمة على تنفيذ القانون . فإذا وجد الإنسان فرصة أمن فيها على نفسه هتك حرمة القانون ، خرج عليه دون مبالاة وإن ما تعانية الإنسانية من نضوب الفضائل وفساد الضمائر وانتشار الجرائم والاستهتار بالقيم ، إنما سببه الغفلة عن الخوف من الله وعدم استحضار عظمته في القلب .



إن الضمير نفحة نورانية صافية، وهو هبة و نعمة من الله الخالق تستوجب شكر الوهاب المنعم، وشكر النعمة من أسباب بقائها وزيادتها وفي بقاء الضمير حياً؛ حفظاً  لصاحبه من الوقوع في الآفات المهلكة. طوبى لأصحاب الضمائر الحية، فهم ذخر الحياة، وهم أمل المستقبل، وهم منارات الهدى ومشاعل الحق. 


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد