لعبة قديمة

mainThumb

28-06-2010 07:00 AM


بين أسوار القلوب وما تحويه من أسرار- يقبع في هوة سحيقة بصيص أمل- كلما دعوناه للتنفس تسري عليه هبة ريح تخنقه – فنحن لا نتقن سوى لعبة الحزن والخنوع- نعرف كيف ندعوه ونفرضه سلطانا على كل ما يحيط بنا- نعرف كيف نزرع طريق الأمل بالبؤس والشقاء والخيبة- فهي لعبة قديمة – ملتها عيوننا وأفكارنا وقلوبنا- ليس الانهزام والخيبة اللغة الوحيدة للنجاة- ليس الحزن ومخاوفه هي الطريق التي تقودنا إلى الحياة- فالحياة تحتاج للأمل والإيمان- ذاك الينبوع الذي لا ينضب- فكيف نزرع وجودنا باليأس- كيف نقتل لحظاتنا بالوقوف عاجزين أمامها- خائفين منها- خائفين من الغوص في بحر الحياة –



فمعنى الحياة أن تكون في أعماقنا تدفعنا إلى أشياء أعمق منها- إلى مشاريع ومشاعر أكثر انبساطا وامتدادا- لا نسمح لليأس بسحقها- ولن نسمح لإصرار الخيبات أن يهزمها- هذه هي الحياة وليست حياة الوهن التي يتخذها الكثيرون , داخل كل منا صيحة وصرخة , وحولنا الكثير الذي يمنع تلك الصيحات , ولكننا بإرادتنا نحن من أغلق الباب على التحرر والرضا بالكتمان, ورمينا بمفتاح الفرج إلى قيعان البحار , وجلسنا ننتظر , لعل الفرج يكون من غيرنا , ولعل غيرنا من يخطط ويدبر لنا , فنحن اعتدنا على لبس كل ما هو جديد ولو كان لا يتلاءم معنا بدون الرجوع إلى معرفة من فصّل وخطّط, رضينا بحياة الزهد في كل ما هو حق لنا, وحاربنا كل من أطلق العنان لصرخته بالمضي قُدُما-



 نحن من رضينا بحياة الخنوع والذلة , في زمن أصبح شبيه لحياة الغاب, فالبقاء للأقوى وليس للأصلح, هذه هي معايير الدنيا التي تسكننا وليست الدنيا التي نسكنها, فنحن من يجب أن نسيرها كما نشاء وليس العكس, ولكن بظل الضعف الموجود بداخل كل منا , ليس ضعف الجثمان , ولكنه ضعف النفوس وتقواها ولجوئها إلى غير بارئها, نحن المتهم الرئيسي بكل ما يجري من أحداث على مستوانا الشخصي والعام, فكم من ضحية وقتيل وبرئ ذهب أدراج الرياح واستبيحت حياتهم التي كرمها الخالق ولم يطالب بحقوقهم احد! وكم من شبر ارض اغتصب وتدنس من أنجاس وشياطين البشر! وكم من نقطة دماء أريقت وسقت حبات الرمال فبكت لإراقتها الجمادات ولم تبكي عيون البشر! أين نحن عند السؤال؟ أين نحن عندما يكون خصمنا ذاك القتيل أو تلك الضحية؟ أين نحن عند تطاير الصحف ؟



وفوق كل هذا أين نحن عند إشاحة رب البرية النظر عن وجوهنا؟ هل أجد إجابة؟ ربما لو نظر كل إنسان بما يسكن قلبه وفكره , وجال بنظره عما يدور حوله , وقبل أن تذرف عينه دمعة حزن لما آلت إليه البشرية, توجه لسانه بكلمة حق في مكانها , ومسحة حنان على رأس طفل هو أمل المستقبل, وصدقة مباركة تسكن غضب الرب , ومحاولة إخراج ذاك المفتاح الذي تراكم عليه الصدأ , وفتح الأبواب لإطلاق تلك الصرخات , ولتكن مدوية وبأعلى الصوت, فلا يحقق النصر والعدل لصاحبه إلا نفسه, فالصمت أحيانا يفيد كما قال المثل" إن كان الكلام من فضة فالسكوت من ذهب"ولكنه بالمقابل يكون سلاحا فتاكا إن تحامل الدهر والقهر فسيفتك بصاحبه قبل أن يفتك بالغير, لو تداركنا قلوبنا وما تحدثنا به أنفسنا لاستطعنا الخروج من تلك اللعبة القديمة المملة, وربما بعد هذا نرفع رأسنا ويكن لنا النصيب برؤية وجه الله تعالى الذي أنار الظلمات كلها .

Enass_natour@yahoo.com



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد