تمهين التعليم و سمو رسالته

mainThumb

07-06-2010 06:57 AM

 للمعلم مكانة سامية في النفوس ، ومهنة التعليم تحوطها هالة من القداسة ،و يؤكد الموروث الأدبي والشعبي عند مختلف الأمم أن المعلمين يأتون في المقدمة حيث يعتبر المعلم أمة في رجل ، ومما يزيد من أهمية دور المعلمين في وقتنا الحاضر أن وظيفتهم لم  تعد تقتصر على نقل        المعلومات و المعارف إلى المتعلمين، بل إنها تعدت  ذلك إلى التشكيل الأخلاقي والثقافي لشخصيات        المتعلمين من خلال غرس القيم و الاتجاهات المرغوبة ، و المساهمة في تكوين المواطن الصالح المنتج ، و بناء المجتمع الفعال.



منذ أكثر من ألف عام قال سيسترو (إن أعظم هبة يمكن أن نقدمها للمجتمع؛ هي تعليم أبنائه)… ويبدو أن كلماته ما زالت معبرة عن أهمية المعلم ، فالمعلم ما زال يقدم خدمة مهنية لأمته من خلال تمكين الطلبة  من اكتساب المعارف والقيم  العليا، ومن خلال تمكينهم من اكتساب مهارات التفكير الناقد، والمواطنة الصالحة، وإذا ما قيل بأن مستقبل الأمة ومصيرها إنما يكونان في أيدي أولئك الذين يربون أجيالها الناشئة، فلن يكون ذلك القول بعيداً عن الصحة، إن لم يكن مطابقاً لها، ومن هنا كانت مكانة المعلم بين الأمم مكانة رفيعة جداً.



وعلى الرغم من أن مهنة التعليم قد وصفت بأنها " أم المهن " ، إلا أنها لم يتم الاعتراف بها كمهنة في الأردن ، ولم تحظ بسن تراخيص لممارستها لضمان توفير التعليم الملائم و الفعال للطلبة ،   إن الهدف الأساس من وضع تراخيص لممارسة مهنة التعليم هو العمل على زيادة النمو المهني للمعلمين بهدف تحسين العملية التعليمية والارتقاء بها حتى تواكب التطورات المستمرة     و المتسارعة في عالم اليوم .



 تحتل قضية الارتقاء  بالتعليم إلى مستوى المهنة موضع الصدارة في إصلاح التعليم  والكثير من الدراسات أوضحت أن طريق الإصلاح  يركّز على تحويل التعليم إلى مهنة. وفي حقيقة الأمر، أن هناك جدل مثير بين التربويين هل التعليم مهنة أم رسالة؟ في نظر كثير من التربويين  ينظر إلى التعليم على أنه  مهنة و رسالة  في آن معاً ،  ولا بد  أن يأخذ ذلك بعين الاعتبار عند سن التشريعات ووضع المعايير و الضوابط  لتمهين التعليم. حيث أنه من الصعب أن نصنف مهنة التعليم مع باقي المهن والوظائف الأخرى لأن التعليم إضافة إلى كونه وظيفة فهو رسالة سامية تنوء بحملها الأكتاف .



ظهر مفهوم إجازة التدريس Teacher Certification او الترخيص لممارسة المهنة Licensing كما هو الحال في مجالات الطب والمحاماة والهندسة و التمريض  و الصيدلة وغيرها من الميادين في العديد من دول العالم ،  ويشير مفهوم إجازة التدريس أو تمهين التعليم إلى الآلية التي يضمن بمقتضاها النظام التعليمي امتلاك  المعلمين الحد الأدنى من المهارات الفنية والمعارف المطلوبة في مادة التخصص ومبادئ التدريس واستراتيجياته وطبيعة المتعلم ونموه وتكنولوجيا التعليم والقياس والتقويم وإدارة الصف كشرط لازم و ضروري لممارسة مهنة التعليم.



وفي رأي العديد من التربويين أن السبيل إلى إصلاح التعليم يتطلب “تمهينه” بحيث تصبح لهذه المهنة معاييرها وأسسها ومبادئها وأخلاقياتها. إن المعلم الملم بالمادة الدراسية، وطرق تدريسها وأساليب تقويمها، والقادر على التفكر في ممارساته التربوية لإحداث الأثر الايجابي في تعلم تلاميذه سيسهم من دون شك في تطوير مهنة التعليم.



أن الخطوات الأولى في عملية التمهين هي تأسيس رابطة مهنية ، والخطوة الثانية تحديد اسم العمل والوظيفة ، والخطوة الثالثة تتمثل في نشر ميثاق أخلاقي يحدد أخلاقيات المهنة ويوضح الأبعاد الاجتماعية لممارسة المهنة ، والخطوة الرابعة استصدار تشريع يحدد بوضوح تام أبعاد وجوانب ممارسة وضبط شروط العمل في برامج الإعداد والتدريب ومؤهلاته وشروط القبول في المهنة .



و تشير بعض التجارب التربوية و الدراسات أنه لا بد من توفر مجموعة من الصفات التي يجب أن يتصف بها المعلم ليكون ممارساً مهنياً:

·       التفكر في الممارسات التدريسية

·       الإلمام بمحتوى المادة التي سيقومون بتدريسها

·       استخدام الاستقصاء في دراسة الواقع التربوي وتنميته لدى المتعلمين

·       تنمية التفكير الناقد لدى المتعلمين .

·       تكوين جماعات تعلم تغني تعلم المتعلمين والقدرة على إدارة التعلم التعاوني.

·       الإلمام بخصائص المتعلمين وأساليب تعلمهم لتسهيل التعلم

·       القدرة على التواصل الفعال، وتشجيعه بين المتعلمين .

·       استخدام تقنيات التعليم الحديثة بكفاءة عالية .

·       الالتزام بأخلاقيات المهنة

·   التخطيط لتوفير خبرات تعلم ذات معنى للمتعلمين والقدرة على تخطيط تقويم قائم على الأداء وتنفيذه والاستفادة من نتائجه في تحسين تعلم الطلبة.



أن اتخاذ قرار “التمهين” ليس من السهولة بمكان  ، إذ يجب أن تتوافر له مقومات النجاح قبل اتخاذه، حيث يرتبط  بأمرين مهمين وهما من مسؤولية وزارات  التربية والتعليم ، أولهما إعداد المعلم  حيث أن  مفهوم تمهين التعليم يرتبط ارتباطاً مباشراً بمستوى الإعداد للمهنة التعليمية، إذ إنه كلما ارتقى مستوى الإعداد للمهنة، ازدادت الفرص لاتخاذ التعليم مهنة دائمة للمعلم. وثانيهما فتح المجال للترقي والنمو المهني للمعلم بحيث يبدأ مهنته بمستوى معين وراتب معين وينتقل بعد ذلك من خلال نموه المهني إلى مراتب أخرى  بحيث يزداد راتبه بما يتناسب مع مسؤولياته الجديدة .    و من هنا تصبح للمعلم الملتزم بالمهنة مكانة مرموقة ودخل مادي يعزز لديه الشعور بالفخر والراحة النفسية.



وأخيراً  ، يجب أن يتم  منح رخص مزاولة  مهنة التعليم وفق معايير وأسس علمية مقننة يضعها المختصون ويطالب المعلمون باجتيازها ،  ويحدد مدة معينة لصلاحيتها ، ويلزم المعلمون بتجديدها حال انتهاء مدتها ، كما يتعين على كل معلم خلال مدة سريانها الانخراط  في عدد معين من  فعاليات التنمية المهنية مثل الدورات التدريبية والندوات وورش العمل والمشاريع البحثية والحلقات النقاشية حتى يحقق الشروط المطلوبة لتجديد رخص المزاولة . ومن هنا فإن تمهين التعليم وإصدار رخص لممارسة المهنة يناسب مكانة هذه المهنة وسمو رسالتها ويضمن كفاءة وفاعلية المعلمين ويسهم في اختيار الأجود والأفضل لممارسة هذه المهنة الشريفة لأن الأمم تقاس بكفاءة معلميها 


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد