عيد .. بأي حال عدت يا عيد ؟

mainThumb

19-09-2009 12:00 AM

فيصل تايه
تعلمون تماماً أعزائي بأن أعظم شعراء العرب أبي الطيب المتنبي نادر زمانه وأعجوبة عصره عاش في عهد بعيد قليلاً ...عهد البساطة والبدائية والوضوح , كانت العلاقات فيه بين الأفراد أكثر صدقا ودفئا ، وكانت المعاملات أقل تعقيدا وأكثر سماحة مما نحن علية اليوم, فان المرء يتساءل : يا ترى ماذا كانت عليه أحوال الأمة من التذمر واليأس في ذلك العهد البسيط والواضح حتى يتساءل شاعر له تاريخه الشعري العريق عند قدوم عيد المحبة والفرح والتواصل :
(بأي حال عدت يا عيد ؟ هل بما مضى أم بأمر فيه تجديد؟ )
ربما كانت التجربة هنا شخصية , فردية والحال خاص جدا , وربما كان الخطب جلل والأمر عصيب , يتعلق بحال أمة , خاصة وان المتنبي شاعر له ثقله الثقافي والاجتماعي والسياسي وله رؤيته وتحليلاته , وبالتأكيد فطنته وذكائه
فهو من قـــــال :
أغاية الدين تحفّوا شواربكم يا أمّة ضحكت من جهلها الأمم؟
وهو القــــــائل :
كلما انبت الزمان قناة ركّب المرء في القناة سنانا

إن المرء ليقف عند هذه الأبيات الشعرية .. التي أراد بها شاعرنا المخضرم معنى مبطنا , هو أن الأمر عصيب يتعلق بحال أمة ,وهنا دعونا نتساءل : .. ماذا سيقول المتنبي لو كان قد ظهر وعايش واقعنا ورأى ما به من أنين .. أنيناً يحاكي ضمير الأمة يتجه نحو اختراق النفس البشرية ليرسم عالما جديداً لا يعترف بحق المستضعفين في الأرض 000 ماذا سيقول وهو يسمع نداءات الثكالى وأمهات الرجال في ديار العرب والمسلمين ؟ نعم ماذا سيقول وهو يرى الأرض غير الأرض والإنسان غير الإنسان 0 سيهجو من ويمدح من ....

بالطبع .. سيقول أبياتا تخاطب العقل لان هذا من تخصصه ومنطقه , ولن يقول أبياتا تخاطب العاطفة , وسيطلب من الإنسان أن يستقبل الأعياد بكثير من الفعل الطيب وقليل من كلام الزيف والخداع , وسيحث على التجديد لا الجديد ,وهنا مربط الفرس 000000

لكني أقول .. أعزائي .. والقول أحمدُ .. معنونا مقالتي – وكما لاحظتم - بمطلع رائع من روائع صاحبنا فهو الذي عرفته الخيل والليل والبيداء ... والسيف والرمح والقرطاس .. والقلم .... زمانك ليس زماننا يا فارس الفرسان

ها أنا ذا اكتب وأين أنا منكم سادتي .. فاعذروني أحبتي .. ربما ذكرتكم بشريط ذكرياتكم المتكرر كل عام .. والذي سيبقى يراوح في ذاكرة الأيام .. دونما عنوان ..
والعيد عود، قيل: عيد، من العود، لأنه يعود كل عام.. لكنه ارتبط بالفرح، فصار معناه ... الفرح ، فالعيد أفراح لا مكان للحزن فيه.. الحزن في مكان آخر.. فالزمان يمر وله محطات يثير فيها كوامن النفس.. يزعج الخاطر.. يحرك الجوارح .. الليل يمضي، والنهار يمضي.. الساعات تمضي، والشهور تمضي، والسنوات تمضي.. تحمل فيها الذكريات الجميلة، والذكريات الأليمة، الحقيقة منها، وما تصطنعه نفوسنا وأوهامنا.. العجلة تدور، والفلك يدور، وكل ما فيه يدور..
الشمس والقمر والأرض تدور، ونحن فيها كذلك ندور، نبدأ في نقطة.. ثم ننتهي إليها.. وخلال الدوران يقذف بعضنا خارج الدائرة، ليستقر في حفرة أعدت بطوله وعرضه، لتكون نزله إلى يوم الدين، يأكله التراب، حتى لا يبقى منه إلا ما هو مذكور.. والبقية تنتظر دورها في كل دورة، كالحب إذا وضع في الرحى، والرحى يدور، يطحن ما يمر عليه، فما لم يطحن أولاً، طحن في الثانية، أو في الثالثة، أو في الرابعة، حتى لا يبقى من الحب شيء.. { وما الحياة الدنيا إلا متـــــــاع الغرور}.
آه منك يا عيد حتماً عدت ؟ عدت من جديد بنفحاتك البهية والنورانية، ونسماتك الإيمانية، عدت?Z ولم تخلف الميعاد..لم تخلف الوعد..عدت?Z بـموعدك الحتمي رغم كل شي ... تذكرنا بواقعنا الذي هو رغما عنا واقعنا .. ولن يتغير الميدان .. عدت تستنهض همم الرجال التي تؤول الى ذكريات عبقت بها مخيلاتنا .. إلى تاريخ يعربي مشرف ، عدت والحدود ما برحت تفصل بيننا..عدت?Z يا عيد..عدت وما تهيأنا بعدُ لقدومك.....
ما أعددنا أنفسنا لاستقبالك، فما زالت الوجوه شاحبة، والعيون باكية، والضحكات ميتة، والفرحة مبتورة، والأحلام مسروقة، والآمالُ مشنوقة على جدرانِ انكساراتنا..عدت?Z يا عيدُ وما زال الأقصى في الأسرِ يئنُ، وبغدادُ تضميد جراحها ، وأمتنا تنعى حالها ...
تسكننا إحباطاتنا، وتكسرنا جراحنا، ويفرقنا تلاقينا ..عدت?Z يا عيد ونحن كما نحن غارقون في الفوضى. لا أدري أنفرح لحلول العيد أم نحزن لاستمرار تفرقنا وضياع مجدنا .. وإباءنا ..فيا ترى إلى متى هذا الانقياد والخضوع لمن نصبوا أنفسهم سادةً للعالم وهل سيطيل هذا … فنحن من كل مكان محاصرون بفكر مستورد مسموم .. أين مجدنا التليد الذي يذكرنا بالقعقاع وعمرو بن العاص والمعتصم .. ؟ مرت الأيام والسنون واليوم أتساءل نفس السؤال ويتساءله معي كل اليعربيين .. ماذا عن أخوة لكم يعيشون الظلم والهوان تحت نير الاحتلال .. وبالتأكيد ليس لفقد آبائهم وأمهاتهم وأطفالهم ولكن لإحساسهم بالتوهان والضياع ..إحساسهم بقلة الحيلة ونقص الهمة..لقد أصبح شقيقكم يسير في الشارع يكاد من شدة حيرته وانشغال فكره أن يكلم نفسه .. بل هو يكلمها بالفعل .. ويناجيها ويتساءل كيف العيش وكيف الحياة ويتساءل بأية حال عدت يا عيد؟ أنا المعذبُ في أشواقهِ حقباً.... أنا المقهور وعنْ لقيآك محـدودُ..ماذا جنيتُ لكي أحيا بلا وطنٍ...وكلُّ نهْجٍ إلى الأحبابِ مرصودُ..عيدٌ يمـرُّ وأعيـادٌ تظللنا....لكـنْ بأيةِ حـالٍ عدت?Z يا عيـدُ؟
اعذروني سادتي .. فما قصدت والله أن أفسد على المعيدين فرحتهم وأفسد شهيتهم وأقلب بهجتهم حزنا وأسى، لأن ظروفا قاسية فرضت على إخوة لهم .. لنذكرهم ونتعاطف معهم فما ذنبهم إلا أنهم في ديار منكوبة يصارعون واقعهم الأليم بالصمود … لم تكن من اختيارهم ولا كانوا سببا فيها…. بل نقول للجميع، وبلا استثناء..عسى كل أيامكم أعيادا، وكل عام وأنتم بألف خير..راجيا منه عز وجل أن يعيد علينا هذا العيد وقد تحققت أحلام الأمة وعاد الحق إلى أهله..فان الشعوب المؤمنة بحقها في الحياة والحرية والاستقلال لن تهزم مهما طال ليل الظلم ومهما استبد الظالمون..
أعلّل النفس بالآمال ارقبها ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل
.... ودمتم بخير سادتي ....

Fsltyh@yahoo.com :



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد