لقد طغت أخبار الحرب البربرية الهمجية التي قامت بها قوات إسرائيل العسكرية العنصرية على غزة , على شائعة التعديل أو التغيير الوزاري في الأردن الحبيب لبعض الوقت ,وما أن توقفت تلك العمليات العسكرية الإسرائيلية , حتى بدأت هذه الشائعات التي كنا نسمعها منذ أكثر من سبعة أشهر, تطل برأسها من جديد , فقد كانت وما زالت الشغل الشاغل لوسائل الأعلام المختلفة , وأحاديث النخب والكثير من الناس اليومية في مختلف مواقعهم وتجمعاتهم , في( بإزار) أو ( بورصة ) سوق مفتوح , هذه الإشاعة التي أصبحت تتوالد عنها إشاعات , بخصوص السادة الوزراء الحاليين , الكل يدلي بدلوه ويبيع ويشتري , والبعض يحلل ويستنتج ويتكهن ويتوقع , ويدعي انه يعرف لماذا سوف يعدل( فلان) ومن هو (علان) المتوقع أن يحل مكانه الخ..... ولن ننسى دور المستوزرين في نشر هذه الإشاعات ...وطرح أسماؤهم للتداول بطرق مختلفة .... فامتيازات المنصب الوزاري في بلدنا مغرية ,ولقب( معالي ) ساحر ...بما يوفره من وضع اجتماعي ووجاهة وحصانه اعتباريه ونفوذ,وكوننا عدنا إلى هذا البازار المفتوح , فإنني ازعم معرفة تقدير حجم الضغوط الكبيرة التي يتعرض لها دوله السيد رئيس الوزراء ,لإدخال فلان أو علان في تعديله ....من مراكز القوى والنفوذ المختلفة ... الإشاعة وكما هو معروف قد يكون فيها جزء من الصحة , ولكنها تتضخم وتتسارع في الانتشار ,والبحث في موضوع الإشاعة و أثرها على المجتمع سلبا ,موضوع كبير ,يعرفه الأساتذة المتخصصين في علم النفس وعلم الاجتماع والسياسيين والعسكريين ,وهو ليس موضوعنا في هذه المقالة المتواضعة ,ولكن موضوعنا هو اثر إشاعات التعديل الوزاري ....على الوطن وما تسببه من قلق و إرباك , في جميع مناحي حياتنا سواء كانت سياسية أو اجتماعيه أو غيرها ..... ولست بصدد الدفاع عن الوزراء فلهم من يدافع عنهم... ولكن للموضوعية فقط , أتساءل عن من ذا الذي يحمي الوزير, الذي لا يوجد له من يحميه , إذا أراد القيام بواجباته بشفافية وإخلاص و أمانة , و لم يجاري المفاهيم الخاطئة في المجتمع , سوف يقوم الكثيرون بتشويه سمعته ومحاربته ,فقط لأنه ( فشلهم ) أي انه لم ينفذ رغباتهم في تحقيق مصالح خاصة بهم أو لهم على حساب الآخرين ,وهنا يقع مثل هذا الوزير أمام آمرين أحلاهما مر , فهو إما أن ينحني أمام الضغوط التي تمارس عليه (الواسطة و المحسوبية) ويجاري إذا كان يرغب أن تكون له شعبيه بين المتنفذين ,لتحيق مصالحه واستمراره أيضا في منصبه (المصالح المتبادلة) وإما أن يرحل بصمت ... ومن الأسباب المعيقة لعمل الوزير أيضا وتكون سببا مباشرا في ضعف أدائه ,انه لا يجد الوقت الكافي واللازم للقيام بواجبات وظيفته تجاه وزارته بسبب انشغاله الدائم ,باستقبال النواب والأعيان والوجهاء وغيرهم ... فإذا كان من الضروري أن يلتقيهم في مكتبة , فلابد من تحديد يوم في الأسبوع , لهذا الغرض , ...عداك عن رنين التلفون الذي لا ينقطع وضرورة مشاركته في الكثير من المناسبات الرسمية والاجتماعية و الاحتفالات والاجتماعات , التي تكون في أكثرها (بروتوكولية ) وليست ضرورية ولا تمس أعمال وزارته. وحتى يتم التخفيف من الواسطة و المحسوبية , يجب أن يتولى ديوان الخدمة المدنية مسؤولياته , بطرق واضحة وشفافة , جميع التعيينات(بما فيها , التعيين على حساب الفئة الرابعة , والعقود بأنواعها) و الترفيعات والتنقلات الحكومية داخل الوزارة نفسها أو بين الوزارات , ليخف بذلك الضغط على الوزراء .... ولنعترف جميعا أن هذا التعديل أصبح (كمسلسل تركي طالت نهايته) مقلقا ومربكا لأداء الوزراء العاملين أنفسهم ...فهم أيضا بشر مثلنا ...ولهم مشاعرهم مثلنا ....ويقلقون مثلنا ...فهم لا يعرفون إن كانوا باقين أم أنهم من المعدلين ... فكيف يستطيع الوزير أن يتعامل مع موظفي الوزارة ومراجعيها وهو لا يعرف مصيره هل يبقى أم يعدل ...وكيف يستطيع أن يفكر في تطوير وزارته ووضع الخطط والبرامج لتحسين أدائها وهو لا يضمن بقاءه أو حتى تنفيذ اقتراحاته وتعديلاته من قيل من سيأتي بعده ...وهو كإنسان كحال الجميع في مجتمعنا وثقافته التي تقول ( إن كنت رايح كثر الملايح ) قد يغض الطرف عن أمور كثيرة , كان من الممكن أن يتخذ فيها قرارا صائبا ...لذلك تجده يجامل الناس , كونه مكبل ومحتار وقلق ...خائف من التعديل وطامح في البقاء ...خصوصا إذا كان من ذوي التعليم و الكفاءة و الخبرة ...ولا يستند إلى حزب سياسي أو عشيرة كبيرة أو دعم من أصحاب نفوذ مالي أو إعلامي ...هذا الخوف بدأ جليا وواضحا حين سارع حوالي ثلاثة عشر وزيرا لأداء فريضة الحج , فيما أطلق عليه بعض الصحفيين ( حجة الوداع ) , للإفادة من ميزات الحج ( السوبر ) التي يحصل عليها الوزراء .....فإذا كانت هذه الإشاعات هي لتخويف بعض الوزراء وجعلهم يقومون بواجباتهم على أكمل وجه... فمن الممكن أن يكون قد حصل عندهم رد فعل عكسي تماما لما هو متوقع . نحن نعرف أن التغيير والتعديل سنه الحياة , ولكن ما هي الأسباب التي كانت توجب التعديل قبل سبعة أشهر لإخراج وزير من وزارته ؟...ولماذا لم يتم التعديل في حينه ؟....وهل هذه الأسباب قائمه لحد الآن؟ ... فلماذا التأجيل ؟...ولماذا لا يتم التعديل بموجبها فورا؟ ..وهذا يقودنا إلى سؤال كبير عن ما هي الأسس والمعايير المنطقية التي بموجبها يتم اختيار الوزراء الجدد ؟...ثم تثبت عدم كفاءة بعضهم ...فيتم التعديل .... فهل كان التشكيل عندنا ارتجاليا متسرعا وغير مدروس مثلا ؟ , وهذا حدث تقريبا في معظم وزاراتنا السابقة ....وتعود القصة ذاتها تتكرر....تشكيل ...تعديل الخ .... و لا نريد الحديث الآن عن وزارات برلمانية حزبيه عندنا , فقد جربنا ذلك , ولكن التجربة لم تنجح لأسباب كثيرة وما زال الوقت مبكرا حتى الآن , حتى تنضج تجربتنا الديموقراطية , ولكن لماذا لا تكون الوزارات اقل عددا و أكثر ثباتا واستقرارا و أطول عمرا كما هو الحال في دول كثيرة تتشابه ظروفها مع ظروفنا ؟. .... منصب الوزير بحد ذاته يعتبر مسؤولية وطنية كبيرة على من يتولاه , فمتى نصل إلى مرحله أن يخاف الناس من أمانة تولي مثل هذه المسؤولية , فمن الممكن أن يتم ذلك , إذا عدلت القوانين بحيث تسمح بإمكانية مساءلة الوزير واستجوابه ومحاكمه أمام المحاكم المختصة ,وعزله وسجنه إذا لزم الأمر, كما يحدث في اغلب الدول الديموقراطية , وليس المحاكمة و الاستجواب وطرح الثقة أمام مجلس النواب, أو التعديل من قبل رئيس الوزراء فقط, حتى لا تصبح الوزارات والإدارات العامة ...كأنها إقطاعيات خاصة لمن يتولون مسؤولياتها ....فيقومون بالتصرف فيها دون حسيب أو رقيب ... .و كل مسؤول جديد ....يريد أن يضع سياسات وبرامج جديدة تكون في كثير من الأحيان كارثية , فهو لا يعترف بإنجازات من سبقه بل دائما ينتقده ...وان هذه الوزارة أو الدائرة كانت (خربانه )قبل استلامه هو للمسؤولية ... ويجمد أو يحيل على التقاعد أو الاستيداع الكثير من موظفيها الجيدين....ويضع آخرين مكانهم ...يكونون من محاسيبه , أو ممن يفرضون عليه ... وهكذا دواليك ...والدائرة تدور..,وهذا هو الذي يحدث إرباكا في الوزارات والدوائر ...ويساهم بدرجه كبيرة في الترهل الإداري والفساد.... وحتى لا يكون للمسؤول , سواء أكان وزيرا أو مديرا عاما , مطلق الحرية في دائرته أو وزارته,اقترح أن يكون لكل وزارة أو دائرة ما يشبه (مجالس الإدارة في الشركات ) يكون مكونا من بعض الوزراء السابقين والأكاديميين وأصحاب الاختصاص والخبرة ...تكون مسؤولية هذا المجلس وضع الخطط والبرامج والسياسات ,ومراقبه تنفيذها وتقييم أداء الوزير ,وتدرس الاقتراحات التي يتقدم بها,أو التنقلات والتعيينات التي يريد إجراءها ,وتعلن رفضها أو تعديلها أو موافقتها على هذه الأمور , ثم ترفع تقريرها, إلى مجلس الوزراء للمصادقة عليه وإلى مقام جلاله الملك المعظم للاطلاع عليه , وهذا يعطي مثل هذا التقرير المصداقية والقوه , لأننا نعرف مدى اهتمام جلالته شخصيا بذلك , فجميعنا يتذكر مدى غضب جلالته من الوزراء الذين لم يقوموا بتنفيذ توجيهاته ورغباته السامية التي تقتضي بأن يقدم كل وزير تقريرا شاملا عن كل ما يتعلق بوزارته شهريا (سوى وزيرين فقط )لمجلس الوزراء .., وبذلك يكون دور الوزير تنفيذي , ويسير حسب الخطة الموضوعة , التي لا تتغير بتغيير الوزير أو المدير العام .... وبالعودة إلى شائعة التعديل أو التغيير التي طال أمدها, والتي أثرت على البلد بشكل سلبي ,لابد من وضع نهاية سريعة لها , إما بإجرائها دون تأخير , ضمن أسس جديدة منطقية واقعية مسؤولة , تمليها الظروف والأخطار الحقيقية التي قد تواجه الأردن الغالي كشعب ودولة ووطن وكيان , والتي أحس بها وعبر عنها جلالة الملك المعظم بصراحة ووضوح , خلال أحداث غزة , وإما بنفي هذا التعديل أو التغيير قطعيا ......كي تستقر الأمور..وتتوقف الإشاعات ..ويطمئن الوزراء ...ويحبط المستوزرون , ويعود الناس إلى ما ينفعهم ....