اسرائـيل في شيخوختها

mainThumb

10-04-2008 12:00 AM

تحتفل اسرائـيل بعيد ميلادها الستين هذه السنة. والكيان الصهيوني, ظاهرا, صامد منيع في وجه كل القوى العربية المحيطة به, استطاع تحييد دولة عربية ذات شأن متميز هي مصر اذ فاز باتفاق صلح معها في عام ,1979 ثم تمكن من تحييد قوة عربية مجاورة اخرى بعقد صلح مع الاردن عام ,1994 فبقي من قوى المواجهة في الجانب العربي, الى فلسطين, سورية ولبنان.

جسّدت فلسطين وجه المأساة باحلك صورة, ووجه البطولة بابهى صورة. فلسطين عنوان قصة فاجعة قلما شهد تاريخ الانسانية نظيرا لها في فظاعتها. فبقرار من رأس الشرعية الدولية, مجلس الامن, قسمت فلسطين ليقام على ارض عربية كيان يهودي. وما كان ذلك ليتحقق, وسط مقاومة الشعب الفلسطيني الباسلة, الا باقتلاع عشرات الالوف من العرب من بيوتهم عنوة, واحلال غرباء, وفدوا باسلحتهم الفتاكة من اقاصي الارض برعاية دولية فاجرة, ليحلوا محلهم فيها, وما كان ذلك ليتم سلميا. فكان الثمن الذي دفعه الشعب الفلسطيني باهظا, على حساب دماء اعداد لا تحصى من هذا الشعب وارواحهم, وتشريد مئات الالوف حلوا لاجئين في مخيمات داخل الارض المحتلة وفي اقطار عربية مجاورة. كانت الحصيلة مشهدا مأساويا افرخ ازمة مزلزلة كان الوطن العربي باسره مسرحا لها. فلم يسلم من تداعياتها المباشرة او غير المباشرة شعب من شعوب هذه الامة.

هذا وجه المأساة في فلسطين الذبيحة. اما وجه البطولة فيتجلى في صمود خارق للشعب المنكوب, فهو في مواجهة اعتى قوة في الشرق الاوسط, مدعومة من اعظم قوى العالم, لم يستسلم ولم يقنط بعد ستين سنة على نكبته, لا بل سطر في سفر التاريخ صفحة مضيئة من الصمود. سقطت الارض في يد العدو الغاشم ولم تسقط القضية على الرغم من كل ما تعرض له هذا الشعب الابي من عنت على يد الاجرام التي كانت تطارده انى حل, وما ناله من جور الانظمة العربية واهمالها, وفي حالات مشهودة ما كان من تواطؤ من جانب بعض الانظمة مع حاضني الصهيوني في المجتمع الدولي من الذين يرفعون زورا شعارات الحرية والديمقراطية وحقوق الانسان. هذه القيم التي تعد من الثوابت في المقاييس الحضارية اهدرت بلا هوادة في فلسطين على مرأى من العالم المتحضر وسمعه.

الشعب الفلسطيني رفض سوء المصير الذي شاءه له الصهيوني ومعه اعظم قوى العالم, ولو ان ذلك كله نفذ باسم الشرعية الدولية. فعبر هذا الشعب المناضل عن رفضه للواقع المفروض عليه بصموده العظيم, بمواصلة نضاله, بمقاومته العنيدة ولو بالايدي العارية, ووقف المواطن العربي في كل مكان وقفة وفاء امينة الى جانب اخيه الفلسطيني, ففرضت فلسطين نفسها عنوانا لقضية العرب المركزية. فكان جراء هذا الواقع الاليم ان بقيت فلسطين ماثلة في خلفية حالة من الاضطراب عمت المنطقة العربية, كان من تجلياتها تظاهرات عارمة وتحركات صاخبة وانقلابات عسكرية متتالية وقلاقل قضّت مضاجع مسؤولين ما كانوا يوما على مستوى المسؤولية القومية.

بعد ستين عاما على ولادة الكيان الصهيوني, يظهر للعيان جليا ان هذا الكيان العدواني لم يعد يتمتع بالامان ولا يشعر بالاطمئنان, بل هو يدرك انه يقف على مفترق مصيري امام تعاظم مد المقاومة داخل فلسطين كما في الجوار العربي, خاصة في لبنان. اعتاد هذا الكيان الفاجر ان يحمي نفسه بالبطش, بقوة السلاح, بالارهاب المتمادي الذي مارسه ويمارسه. الا ان قدرة الشعب العربي على الصمود والتصدي لم تكن في حسبان هذا العدو اللئيم.

ستون سنة مرت ولم يستسلم الانسان العربي, فاذا بالعدوان امام مشهد جديد لم يكن يتوقعه. فبفضل المقاومة في فلسطين ولبنان وصمود الشعب العربي على العهد في كل مكان, يواجه العدوان اليوم تحولا جذريا في مسار الصراع العربي الاسرائيلي في غير صالح العدوان ومآربه التوسعية. وذلك بعد ان استيقن العرب ان جبه العدو الصهيوني لا يكون بالحروب التقليدية بل بالمقاومة الشعبية. فقد اظهرت التجارب ان لا قبل للعرب بالتصدي للعدوان المتمادي بجيوش نظامية نظرا لتفوق الجيش الصهيوني بما يمتلك من اسلحة وعتاد وتكنولوجيا متطورة وامكانات مادية هائلة, تمده بها اقوى دول العالم واغناها, فجاءت المقاومة في فلسطين ولبنان لتفضح مواطن ضعف هذا الجبار ووهنه.

المقاومة الوطنية لم تمكن الاحتلال الصهيوني من البقاء طويلا في عاصمة لبنان بيروت بعد احتلالها عام ,1982 فكان عليه ان يخليها بلا قيد ولا شرط. حاول ان يجني ثمنا باهظا عبر اتفاق 17 ايار المشؤوم. الا ان الشعب اللبناني سرعان ما لفظ هذا الاتفاق واسقطه. واضطر الاحتلال الى الجلاء عن الارض اللبنانية في 25 ايار عام 2000 من دون اي مقابل, فلم يبق في يده سوى مزارع شبعا التي كانت وما زالت تحكمها معطيات وظروف خاصة. وسجلت المقاومة صمودا اسطوريا في وجه العدوان الاسرائيلي الماحق ابان حرب تموز ,2006 فاعترف الاسرائيلي بهزيمته في واقع الحال عبر ما كان من مساءلات وتحقيقات حول مجريات تلك الحرب ونتائجها. واضطرت قوات الاحتلال الى الجلاء عن قطاع غزة تحت ضربات المقاومة من دون محادثات او اتفاقات. ولو ان السلطة الصهيونية ما زالت تمارس شتى الوان العدوان والارهاب على شعب غزة الباسل.

مع غلبة منطق المقاومة في الجانب العربي تبدّل وجه الصراع العربي الاسرائيلي ومجراه. فلم يعد الاسرائيلي يشعر بالاستقرار والامان كما كان. وقد تولد عن هذا الواقع المستجد معطيات لا تبعث الاطمئنان في نفوس المعتدين ومن هم وراءهم. من ذلك ان ميزان حركة الهجرة الوافدة والمغادرة, كما ميزان حركة اموال الاستثمار المستوردة والمصدرة, كلاهما اخذ ينحو منحى سلبيا من الزاوية الاسرائيلية.. وهذا ينذر الكيان الصهيوني بأوخم العواقب مع الزمن.

اسرائيل امست في الستين من عمرها اشبه بالشيخ الهرم, أما العرب ففي حال مرضية تسمى الشرذمة.

يبدو وكأن الدول العربية متهافتة على التوقيع على صلح مع العدو الصهيوني, بدليل ما يصدر عن بعض المسؤولين العرب من مواقف في هذا الصدد, وبدليل ما يدور على مستوى ما يسمى مبادرة عربية للسلام, والضغط الامريكي في هذا الاتجاه سر معلن. اننا نرى في اي حال ضرورة التركيز على حق العودة للاجئين. كل اللاجئين, الى فلسطين, كل فلسطين في امتدادها التاريخي من البحر الى النهر. بذلك يستعيد العرب بعض حقهم السليب. المهم ان لا نؤخذ بمقولة "الحل العادل لقضية اللاجئين" التي قد تستبطن قبولا بمبدأ توطين اللاجئين بعيدا عن ديارهم في مقابل تعويض ما.

ختاما, ان تهافت الحكام العرب على التوقيع مع العدو يجب ان لا يلزم الشعب العربي الذي يفترض فيه ان يواصل مقاومته للعدوان ولو سلميا, ولنا ان نتلمس في المهاتما غاندي القدوة الحسنة, اذ كانت مقاومته الاحتلال البريطاني للهند سلمية, غير مسلحة./العرب اليوم /



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد