عصر ما بعد الانتفاضة

mainThumb

27-03-2008 12:00 AM

اخفقت مبادرة مقاطعة معرض الكتاب في باريس لان اسرائيل ضيفة الشرف فيه ، لأن الدول والمنظمات في العالم العربي والاسلامي التي تقاطع المعرض لم تجد حلفاء في فرنسا ، لكن الوضع في ايطاليا في مقابل ذلك مختلف تماماً ، وتحظى الدعوة الى مقاطعة معرض الكتاب في تورينو والذي ستكون اسرائيل فيه ضيفة الشرف ايضا تحظى بنجاح اكبر في دوائر اليسار المناصرة للفلسطينيين.

يبدو في فرنسا ان الفرق بين النقد الشديد لاسرائيل وبين الهجوم على شرعيتها اوضح ، ويحظر معارضون شديدون للسياسة الإسرائيلية اجتياز الحدود التي وضعت في النقاش العام العاصف الذي صحب الانتفاضة الثانية.

كما تذكرون ، الشراره التي انطلقت في خريف 2000 من الشرق الاوسط اشعلت برميل بارود في فرنسا ، ففي ما يقرب من 3 سنوات ضغطت الانتفاضة خطوط التماس في المجتمع الفرنسي ، الذي يتميز بسبب تاريخه وديمغرافيته بحساسية خاصة نحو اليهود ، والعرب واسرائيل.

بين سندان فيشي ومطرقة الاستعمار الديغولي ، وبين الكارثة وصدمة الجزائر ، تحاول الجمهورية الفرنسية الحفاظ على قيمها ، والنزاع السياسي في الشرق الاوسط ، على ابعاده العرقية والدينية ، هو كابوس فرنسا ، التي اكبر خوف عندها هو تحطم جمهورية "الواحدة التي لا تقبل التقسيم" الى فسيفساء من مجموعات متعادية.

كما في اماكن اخرى ، قام من فوق الجدل الذي اشعلته الانتفاضة سؤال شرعية الصهيونية ودولة اسرائيل كتجسيد لها ، والصور الشديدة من اسرائيل وثقافة حالات العنف باليهود في فرنسا جعلت النقاش جدلاً صارخاً بين رسمين كاريكاتوريين: فمن جهة "عنصريون يؤيدون دولة تمييز عنصري" ومن جهة ثانية "معادون للسامية" (وحينما يكون الحديث عن أشخاص يهود: يوصفون بأنهم اناس يكرهون أنفسهم).

كانت السنة التي مرت بين "الجدار العازل" في جنين وبين الحرب في العراق هي الاصعب ، لكنها انارت عيون جهات ما في اليسار الفرنسي ، ان "مؤتمر ديربان" والاصوات التي صحبت المظاهرات المعارضة للحرب بينت ان جزءاً من المواقف المعادية للصهيونية ليست سوى معاداة للسامية متنكرة.

ان اولئك الذين زعموا ان اليهود ومؤيدي اسرائيل يستعملون معادة السامية على انها استراتيجية لسد الافواه تبين لهم ان الامور ليست سهلة جداً ، وبينت التجربة ان سلب دولة اسرائيل شرعيتها - وهو موقف ليس معادياً للسامية في جوهره - يفتح الباب أمام معاداة السامية ويفضل الامتناع عنه.

بعد ذلك بسنين معدودة ، كان اثر تلك الجدالات العاصفة ما زال ملحوظاً يصوغ حدود النقاش العام ، حتى انه في اوج الحرب الاخيرة في لبنان لم يذكر النقد لاسرائيل حماسة وتجنيد سنوات الانتفاضه.

فعندما طرحت في جدول العمل قضية دعوة اسرائيل ضيفة شرف الى "اسبوع الكتاب" الباريسي ، بدأت تسمع في فرنسا اصوات تدعو الى المقاطعة ، لكن تبين ان المبادرة لا ترتفع عاليا ، وكتب طارق رمضان ، وهو مثقف مسلم اوروبي ومنتقد لاذع لاسرائيل في صحيفة "ليموند" اقوالاً واضحة قال: الاستراتيجية التي اختيرت هي "مشاركة انتقادية" في فرنسا ومقاطعة في ايطاليا.

ان الحديث في واقع الامر عن اعتراف بحقيقة ان مقاطعة اسرائيل في فرنسا اليوم ليست خياراً واقعياً ، وبالنسبة لاسرائيل يعد هذا تحدياً لا يقل عن كونه انجازاً: فإزاء "كراسي فارغة" يسهل احراز نصر تقني ، اما إزاء منتقدين لاذعين ذوي مواهب فإن المهمة اكثر تعقيداً.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد