خطاب المرأة والمقولات الأحادية الصارمة

mainThumb

02-12-2007 12:00 AM

كان يوم الخامس والعشرين من نوفمبر الماضي يوم المرأة العالمي للقضاء على جميع أشكال العنف ضدها، وتأتي هذه المناسبة والمرأة في بلادنا تتعرض لخطاب متشدد ليس كله نابعا من مفاهيم الإسلام الحق، بقدر ما يتأسس بعضه على مفاهيم ومواقف سياسية نابعة من فكر الأدلجة متجاهلا متغيرات الواقع وحاجبا معطياته، وبعضه الآخر ينطلق من رؤى دينية ضيقة تمليها مصالح وغايات خاصة، تتشدد في الأمور البسيطة وتتجاهل قضايا المرأة الكبرى، حيث يعمد إلى انتقائية القضايا التي يريد التركيز عليها، وكذا انتقائية النصوص الدينية والوقائع التاريخية، فينتقي منها ما يعزز وجهة نظره ويتغافل عن النصوص الأخرى التي تؤيد وجهة النظر المخالفة؛ سواء أكانت قرآنا أم سنة صحيحة أم إجماعا . ومن أمثلة الانتقاء على سبيل المثال لا الحصر الدعوة إلى عدم جواز خلوة المرأة بالسائق الأجنبي وفي الوقت نفسه يحرمون أن تقود المرأة سيارتها سداً لباب الذرائع (المتمثل في اعتبار ما يؤدي إلى الحرام حراما) .
إن أي مقاربة لخطاب المرأة لا تخلو من أمرين أولهما أنك تتحدث فيما لا تحسنه ولا يجوز لك الحديث فيه، ذلك أن موضوع المرأة من منظور الإسلام حقّ خاص للمتخصصين في الشريعة ولا يحق لسواهم الحديث فيه، متناسين أن الإسلام دين وسلوك واعتقاد قبل أن يكون تخصصا، ثم فهم وتدبر لمعانيه، وثانيهما الاتهام بالسعي إلى نشر الأفكار التي تدعو إلى تغريب المجتمع .

ولو أخذنا نبحث في سمات هذا الخطاب الموجّه للمرأة لوجدنا فيه كثيرا من الأمور التي تركز على القضايا الصغيرة وتتجاهل قضايا المرأة الكبرى التي أصبحت تعاني المرأة من إشكالاتها دون أن تجد لها حلولا جذرية وقاطعة، هذا الخطاب تطفح به كثير من المحاضرات والمطويات والكتيبات الدعوية التي توزع في مدارس البنات وكلياتهن وجامعاتهن، حيث إن المرأة هي المستهدفة بذلك الخطاب مهما كان مستواها الفكري . ويحفل ذلك الخطاب بالعموميات، والمبالغة في الترهيب والتخويف من عذاب الله، والتضييق على المرأة، وسهولة التكفير والمبالغة في سوءق القضايا التي تمعن في تجهيلها بإيراد أمور يعجز العقل عن استيعابها لفرط ما فيها من مبالغة، ويحتل موضوع العباءة رأس ذلك الخطاب، وقد ورد في أحد الكتيبات رسم للعباءة (التي يسمونها عباءة الكتف) وأمامها رسمت جثة مسجاة، وكتب فوقها : (فهل تنفعك ..؟ ماذا تريدين من هذه العباءة المزركشة والمخصرة التي تشترينها بالمئات وأنت توضعين في القبر في كفن من أرخص الأقمشة !! فهل تنفعك هذه العباءة في ظلمة القبر؟ فتذكري نفسك وأنت في هذا الموضع ؟؟) المبالغة في تجهيل المرأة تكمن في تحذيرها من تلك العباءة التي تشتريها بالمئات لأنها لن تنفعها عندما تموت وتدفن !! ولو استقامت هذه الحجة لكان على كل الناس الاكتفاء بأرخص الأشياء لأن الموت في انتظارهم، ولماذا على المرأة فقط أن تتجنب شراء تلك العباءة وتوفير ثمنها - حسب خطاب آخر - للأرامل واليتامى والمعوزين؟ بينما يلبس الرجال أنعم وأرق الأقمشة والأشمغة، ويركبون أفخم السيارات ويسكنون البيوت والقصور الفارهة !! ولماذا لا يسكن صانعو هذا الخطاب في بيوت الطين ويركبون أرخص السيارات، ويخيطون ثيابهم من أقمشة الخام مادام القبر نهايتهم وثمة أناس بحاجة إلى تلك الأموال الباهظة؟ ثم لماذا يتجاهلون التوازن بين الدنيا والآخرة الذي عبر عنه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله (اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدا واعمل لآخرتك كأنك تموت غدا) ؟

ومثل ذلك السؤال عن حكم لبس العباءة التي في أطرافها قيطان أو غيره؟ ( والقيطان لمن لا يعرفه نوع من الخيط السميك يخاط على أطراف العباءة كي يمنح القماش نوعا من القوة والمتانة، وليس فيه أي مظهر من مظاهر الزينة، كالذي يضعه الرجال على الثياب الشتوية) فيأتي الجواب : محرم لأنه يؤدي إلى الفتنة ...( ويضيف) : حكّمي عقلك وفكري وتمعني في لبسك للعباءة فهل يعقل أن تستري الزينة بزينة أخرى وهل شرّع الحجاب إلا لإخفاء تلك الزينة؟ ثم يورد الحديث الذي نصه (اتقوا الدنيا واتقوا النساء فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء !!!) !!!

لقد بالغوا في تحديد شكل العباءة ومادتها وكيفية لبسها، حتى خرجوا بها عن مقصدها وهما الحشمة والستر، وأهم ما يخوضون به من أمرها هو عدم وضعها على الكتفين، حيث يعدونه تشبها بالرجال!!! أفلا تتشبه المرأة بالرجل إلا متى وضعت العباءة على الكتفين؟ هنالك كثير من الأمور التي يمارسها الرجال وتمارسها النساء يمكن عدها من باب التشبه بناء على هذا القياس، فالرجل يلبس أحذية رياضية والمرأة كذلك، والرجل يلبس ساعات كبيرة بينما صار كثير من الساعات النسائية الحديثة ذوات أحجام كبيرة، كما أن كثيرا من النساء يفضلن قص شعرهن بقصات قصيرة لأنها أسهل بالنسبة للمرأة العاملة، ثم إن بعض النساء يقصصن أظافرهن ولا يطلينها بأي لون، فهل تمنع النساء من ذلك كله بذريعة التشبه بالرجال، ثم أليس المنع من التشبه المنهي عنه في الحديث هو أن تتخذ المرأة في لبسها وحديثها ومشيتها هيئة كهيئة الرجال، أي أن تتعمد التشبه بالرجال وبمعنى آخر أن تسترجل، وهو سلوك شاذ شائع في كثير من المجتمعات ولا يخلو منه مجتمعنا، والعكس هو أن يتخذ الرجل هيئة النساء في ملبسه ومظهره وكلامه وغير ذلك، وهو غير المرض الذي يكون سببه خلل في التكوين .

لقد بالغت إحدى المطويات في التنفير من العباءة التي توضع على الكتفين عندما نقلت قولاً لأحدهم يحذر فيه المرأة من لبس العباءة على الكتفين لأن ذلك سبب للفتنة والضياع، ولا أدرى كيف استطاع الحكم بضياع كثير من النساء اللاتي اعتدن على لبس العباءة على تلك الهيئة، وهل عمله هذا مما يسمح به الدين؟

ومن الصفات التي وضعوها للعباءة الشرعية ألا تكون زينة في نفسها، ويستشهدون على ذلك بقوله تعالى (ولا يبدين زينتهن) وهذا استدلال ضعيف لا ينطبق على العباءة لأنها في حكم الثوب حيث اختلفوا في تفسير الزينة "فابن مسعود يرى أنها الثياب وابن عباس وابن عمر وعائشة يرون أنها الوجه والكفان" (ذكر أبو بكر الجصاص في أحكام القرآن 316/3وقول ابن مسعود في أن "ما ظهر منها" هو الثياب لا معنى له، لأنه معلوم أنه ذكر الزينة والمراد العضو الذي عليه الزينة ألا ترى أن سائر ما تتزين به من الحلي والقُلب والخلخال والقلادة يجوز أن تظهر للرجال إذا لم تكن هي لابستها فعلمنا أن المراد موضع الزينة) .

ومن صفات العباءة أيضا ألا تكون لباس شهرة وهو (الثوب الذي يقصد من يلبسه أن يشتهر به بين الناس) واستشهد بقول النبي صلى الله عليه وسلم (من لبس ثوب شهرة في الدنيا ألبسه الله ثوب مذلة يوم القيامة، ثم ألهب فيه نارا )، والسؤال الذي يتبادر إلى الذهن هنا هو لماذا كانت عباءة المرأة فقط هي المخصوصة بثوب الشهرة؟ ألا ينطبق الحديث على كل ثوب اتخذه صاحبه رجلا كان أم امرأة دلالة ورمزا للشهرة؟ فماذا عن الثياب الفاخرة التي يلبسها بعض الرجال وتصل أثمانها إلى الآلاف كثياب الشتاء، وماذا عن( البشوت) المحلاة بخيوط الذهب التي يلبسها بعضهم للتميز؟

ومما ورد من خطاب المرأة ما جاء في أحد الكتيبات (محرمات منتشرة بين النساء) وذكر منها الكبر، وما أظن الكبر مقصورا على النساء بل من الرجال من يفوق النساء في تلك الصفة لاسيما عندما يتعاملون مع المختلف عنهم فكرا وثقافة، ومن تلك المحرمات حسب ذلك الخطاب (حضور الأفراح التي فيها منكرات كالتصوير والرقص الفاتن فهو محرم) ! لكنه لم يذكر لهذا التحريم ما يؤكده من أدلة، وإذا استثنينا التصوير الذي لا يكون إلا للعروس وعريسها وأسرتهما، فماذا في رقص المرأة بين جمع من النساء، وإذا كانت تلك الممارسة محرمة فمعظم النساء يقعن في المحرم لأنهن يحضرن حفلات أعراس فيها الكثير من الرقص الذي سماه الفاتن، وما نحسب أنه يوجد رقص فاتن وآخر غير فاتن، فالرقص هو الرقص لكن سهولة تحريم المباحات هي التي ترسم كثيرا من علامات الاستفهام حول ذلك الخطاب .

أما أ حد الملصقات في إحدى المدارس فقد جرى فيه فرز النساء الذاهبات إلى الجنة عن النساء الذاهبات إلى النار، وقُسم الملصق إلى قسمين أدرجت تحت كل قسم أصناف كل فريق !!

لقد تجاهل هذا الخطاب كثيرا من القضايا التي تخص المرأة تلك التي تعج بها المحاكم - كقضايا الطلاق والنفقة وحضانة الأطفال، وحماية حقوقها ممن سلبها إياها وسرقة ممتلكاتها، ناهيك عن تعرضها للعنف والإيذاء الجسدي وتقييد حريتها ومنعها من الزواج - وانشغل بقضايا العباءة ولونها وطولها وشكلها، وحضور الأعراس، وغير ذلك مما يملأ تلك المطويات .

ولعل من أهم حقوق المرأة، حقها على وليها وإلى أي حد تصلح ولايته عليها إذا كان ولياً غير صالح كالسجينين اللذين استغلا حق الولاية فزوّجا ابنتيهما بمحكوم عليهما بالقصاص، كيف تجاوزوا عن تلك المسألة، وأغفلوا حق الفتاتين في زوج صالح يؤمن لهما المودة والرحمة والسكينة وهي الأصل في الزواج، بل كيف تجاهلوا قوله عليه السلام كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته، وهو الذي جعل من حق الأبناء على أبيهم حسن اختيار أمهم، فكيف يأتي من يتجاهل حق تلكما الفتاتين في زوجين صالحين وليس محكوم عليهما بالقصاص ويبارك ما اقترفته أيدي ذانكما الأبوين؟ أين صناع خطاب المرأة من هذه القضايا، أم أن طول العباءة وقصرها شغلهم عما عداها ؟

إن كثيرا من صانعي هذا الخطاب يحاولون الاستناد في توجيهاته على الأدلة والنصوص من القرآن والسنة لإضفاء الشرعية على خطابهم، لكنهم أحيانا يتجاوزون فيغيّبون عناصر مهمة في الرؤى المتعلقة بالمرأة كالظرف التاريخي والسياق الخاص الذي أنشأ بعض الأحكام والمقولات الدينية المحيطة بموضوع المرأة، وتجاهل الاختلاف الكبير بين العبادات والتكاليف الشرعية مما ورد فيه أحكام قطعية الثبوت، والتكاليف التي لم ترد فيها أحكام قطعية تتعلق بالسلوك والمظهر العام، واعتبارها مسائل اعتقادية يقينية لا مسائل وقع فيها الاختلاف بين الفقهاء، وإغفال قضايا من جوهر الدين كالرحمة والرفق والعدل والصدق والإخلاص في العمل، وحسن الظن بالآخرين والابتسام، حتى باتت المرأة ضحية للثقافة المنغلقة التي تصوغ خطابها برؤى متشددة مغلفة بالوعيد والترهيب والتخويف واستسهال التحريم والتكفير مما جعلها فريسة للخوف والجهل بأبسط الأحكام فلا تستطيع الإقدام على أي عمل أو تتزين بأي زينة دون أن تستفتي، حتى اختلطت الأمور عليها وتشابهت، فلم تستطع التفريق بين الإثم وغيره مما عطل عمل القلب حيث لم تعد قادرة على استفتاء قلبها في أبسط القضايا، أو تطبق حديث (الإثم ما حاك في صدرك وكرهت أن يطلع عليه الناس) .

قضية المرأة من جميع وجوهها قضية إنسانية ومجتمعية عامة ومن المستحيل أن يتطور المجتمع ونصفه الآخر ضعيف وخانع ومستلب، لابد أن يعي الجميع قضية المرأة فكرا ووجودا وحقوقا وذاتا حرة لها ما للرجل من حقوق وعليها ما عليه من واجبات، لابد من تحرير المرأة من فكر الوصاية والثقافة التقليدية المفعمة بصور الاستبداد .



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد