فتاة القطيف في أنابوليس

mainThumb

30-11-2007 12:00 AM

ما أثارني في (أنابوليس) ليس احتمال تمخض المؤتمر عن مباحثات واتفاقيات جديدة للسلام في الشرق الأوسط بقدر ما أثارني التصريح المهم الذي أدلى به وزير الخارجية السعودي حول قضية "فتاة القطيف" التي وصلت أصداؤها إلى أروقة المؤتمر، حيث صرّح الأمير سعود الفيصل للصحفيين بأن "المزعج في الموضوع هو استخدام تلك التصرفات الفردية للإساءة إلى الشعب السعودي والحكومة السعودية" مشيراً إلى أن هناك مراجعة للحكم من خلال النظام القضائي. وأضاف:"إنه لسوء الحظ هذه الأمور تحدث والأحكام السيئة تحدث في كل مكان حتى في الولايات المتحدة، وهي عملية ما زالت جارية، ويجري مراجعة هذا من خلال عملية قضائية، ونرجو أن يتم تغييره".

وتأتي هذه التصريحات بعد أن أخذت القضية أبعاداً سياسية وحقوقية عالمية تراوحت ما بين مظاهرة احتجاجية في الهند، ومطالبة المرشحة لرئاسة الولايات المتحدة (هيلاري كلينتون) بإلغاء الحكم الصادر، فضلاً عن بيانات المنظمات الحقوقية والتغطيات الخاصة في الصحافة والتلفزيون لمختلف وسائل الإعلام ووكالات الأنباء العالمية، ولذلك يقفز إلى الذهن هذا السؤال: من الذي وضعنا في هذا الموقف المحرج؟
أعتقد أن المحور الرئيس لهذا الأمر هو الحكم الذي أصدرته محكمة القطيف بالجلد تسعين جلدة ثم صدور حكم آخر يقضي بتشديد العقوبة إلى مئتي جلدة والسجن ستة أشهر بحق امرأة اختطفت واغتُصبت تحت التهديد من قبل سبعة رجال. هذا الحكم جدير بأن يرسم الآلاف من علامات الاستفهام في ذهن كثير من المواطنات المرعوبات، لكنه من غير المستغرب أن يقاب?Zل بالاستهجان والرفض في الخارج وفقاً للمنطلقات الإنسانية لا سيما أن القضايا الحقوقية في الدول المتقدمة تأخذ أبعاداً عميقة، وفيها يعتبر الاغتصاب جريمة عظمى مهما كانت دوافعه وتبريراته ودائماً ما تلقى القضايا المتعلقة به حرصاً على تطبيق الأنظمة الرادعة بإصدار أحكام صارمة، كما تجد قضايا الاغتصاب دعماً من قبل مختلف مؤسسات المجتمع المدني.

بينما الحكم المتعلق بقضية فتاة القطيف كأنما هو نظرة إلى الجزء الفارغ من الكأس حيث يسهل وصف هذه الكأس بأنها نصف فارغة بناء على هذه النظرة. والحكم بحد ذاته يمثل إشكالية إنسانية ولكنه الآن بات يمثل إشكالية سياسية داخلية وخارجية بالنسبة لحكومة المملكة، فكما قال الأمير الفيصل في تصريحه آنف الذكر "إن الأحكام السيئة تحدث في كل مكان"، ولكن من سوء الحظ أيضاً أن هذا الحكم أسهم في تصعيد القضية عالمياً وكنا ننتظر بفارغ الصبر رأي وزارة العدل قبل تدويل القضية إعلامياً، لكن بيان وزارة العدل جاء متأخراً وبيروقراطياً في ذات الوقت ولم يزدنا إلا حيرة وتساؤلاً بخصوص الحكم المضاعف على صاحبة القضية ومنع محاميها الأستاذ عبدالرحمن اللاحم من استكمال الترافع عنها حيث تمت مصادرة تصريح المحاماة من قبل قاضي محكمة القطيف سعد المهنا وإبلاغ المحامي بوجود دعوى تأديبية بحقه، رغم أن الإجراءات النظامية لا تجيز مصادرة التصريح قبل إتمام إجراءات المحاكمة التأديبية للمحامي، فضلاً عن أنّ اتخاذ إجراء المصادرة من مهمة اللجنة التأديبية في وزارة العدل.

ولكن يبدو أن هذه القضية أخذت اتجاهات أخرى كان يجب ألاّ تأخذها لا لشيء سوى مصلحة الإنسان في هذا الوطن، فنحن نلمس الجهود التي تبذلها القيادة السياسية ممثلة بعاهل البلاد الملك عبدالله بن عبدالعزيز الذي يقوم بجهود لعكس صورة مشرقة للتسامح الإنساني وإرساء الحقوق وخاصة بعدما كادت يد "الإرهاب" السوداء أن تفسد أهم الأسس لمبادئ التسامح الديني مما كلف المملكة الكثير لإقناع العالم بأن المسلمين الحقيقيين ليسوا إرهابيين و يجب عدم أخذ الأمور بظاهرها. وفي هذه القضية (فتاة القطيف) ربما نحن بحاجة أيضاً لتحسين صورة القضاء لدينا والعمل سريعاً على اتخاذ الإجراءات الإصلاحية للقضاء التي سنها الملك عبدالله مؤخراً لأن خطوات الإصلاح لا تحتمل التأخير، بل إن الانتظار حيالها يكون مربكاً على المستوى الاجتماعي والسياسي بوجه عام.

ولذا من المفترض إدراك الأبعاد السياسية لبعض القضايا الداخلية بالابتعاد عن التصعيد السلبي كالتصريح لصحيفة الذي أدلى به قاضي محكمة التمييز بالرياض إبراهيم الخضيري كان بمثابة التصعيد ذي البعد السلبي على القضية حين قال في صحيفة عكاظ السعودية إنه "كان ينبغي على القضاة الحكم بقتل فتاة القطيف هي والمشاركين لها لاعتبارات كثيرة جداً لكن القضاة اخذوا بمبدأ الرحمة والشفقة" هنا لا يمكن أن يفهم الآخرون-في أنابوليس وغيرها- سوى أنّ هناك تزمتاً داخل أروقة القضاء السعودي فيما يتعلق بالأحكام القضائية بصرف النظر عن قناعة القاضي بالنصوص والمبادئ الدينية، وحينها لا نستطيع أن نوضح حقيقة الجهود التي تخص إرساء الحقوق الأساسية للإنسان والتي تسعى الدولة لإبرازها نتيجة الارتباط بالعهود والمواثيق الدولية التي لا يمكن تكريس صورة أخرى تناقضها وإنْ تم ذلك فإنه خطأ يجب تداركه على وجه السرعة وهذا ما فعله وزير الخارجية السعودي في أنابوليس، وتكمن أهمية التصريح بأنه وضع النقاط على الحروف بشكل واضح حينما قال: "نرجو أن يتم تغييره" يقصد الحكم الصادر بحق فتاة القطيف، ونظراً لحساسية قضايانا الداخلية خارجياً يجب تدارك القضية برمتها وأظن أن حكمة خادم الحرمين الشريفين سوف تكون عامل الفصل الحقيقي ولا سيما وأن جلالته يدرك أهمية إصلاح القضاء في هذه الفترة الحرجة فقام في وقت سابق بإصدار مرسوم ملكي خاص بهدف إصلاح القضاء وضمان استقلاله وتحسين أداء أنظمته العدلية التي أرى أن مسؤولية تحقيق غاياتها تقع بوجه خاص على عاتق وزير العدل السعودي لتتماهى أنظمة العدل مع حقوق الإنسان الأساسية، فلم يكن بيان وزارة العدل السعودية والتصريحات التي أطلقها بعض منسوبي وزارة العدل بمستوى الرد على التصعيد الإعلامي الدولي الذي أخذته القضية فعلى سبيل المثال لم يأت الشيخ عبدالمحسن العبيكان بجديد في مناظرته للمحامي عبدالرحمن اللاحم على قناة LBC الفضائية بل على العكس ربما أفرز كلامه آثاراً سلبية لا تترتب على القضية فحسب بل تضر بسمعة البلد أيضاً، وكأننا نضع للآخرين المبررات والمسوغات للإساءة إلينا!



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد