التمييز ضد المرأة .. عنف عظيم

mainThumb

28-11-2007 12:00 AM

المرأة في الإسلام لها مكانة عظيمة، فالجنة تحت أقدام الأمهات، والرسول صلى الله عليه وسلم أول وأكبر ناصر لها في التاريخ الإنساني كله، ولد يتيماً فربّته امرأة، وأرضعته امرأة، وحضنته امرأة، وما لبث أن شبّ حتى طلبته للزواج امرأة، ليجد عندها الأمان والاطمئنان، ولتكون هذه المرأة الوفية الحانية أول من تؤمن ثم لتكون المرأة أول شهيد في التاريخ الإسلامي. في هذه السلسلة الطويلة من العلاقات الإنسانية بالمرأة: أماً وحاضنة ومرضعة وزوجة راعية ومؤمنة مضحية... ما يفسّر حنو الرسول صلى الله عليه وسلم، ومناصرته لها، ومن هنا نفهم قوله: "أنا ابن العواتك من قريش"، وقوله: "النساء شقائق الرجال"، ورعايته الحميمة لأهله وقوله: "خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي"، وقوله "ما أكرمهن إلا كريم وما أهانهن إلا لئيم". ولم يذكر التاريخ أنه عليه الصلاة والسلام، ضرب امرأة قط أو عنّفها أو أهانها مطلقاً. بل ظل المصطفى، مناصراً للمرأة حامياً لها طوال حياته، وكان من آخر وصاياه: "ألا فاستوصوا بالنساء خيراً، فإنهن عوان عندكم"، وانتقل إلى الرفيق الأعلى وهو في حجر امرأة.
أما القرآن الكريم فهو عظيم في إنصاف المرأة وحسن رعايتها ومعاشرتها بالمعروف والإحسان، وفي تقرير أهليتها الحقوقية، وفي تأكيد كرامتها الإنسانية "ولقد كرّمنا بني آدم"، وفي إشراكها "والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر"، وفي حمايتها من كل عنف أو إهانة.

كان هذا مدخلاً ضرورياً للحديث عن العنف والممارسات ضد المرأة في المجتمعات العربية بمناسبة اليوم العالمي للقضاء على العنف ضد المرأة (25 نوفمبر)، فأنت ما أن تتحدث عن العنف ضد المرأة حتى يتصدى لك صنفان من البشر: الأول حراس الموروثات التعصبية والثاني دعاة الكراهية ضد الآخر الحضاري... يتهمك الأول بالإساءة للإسلام بينما يصفك الثاني بممالاة الغرب. والسؤال: إذا كانت تعاليم السماء حرّمت الإساءة للمرأة فلماذا لم تترسخ تلك التعاليم كثقافة مجتمعية، ولماذا استمر ظلم المرأة؟

من صور العنف المعنوي ضد المرأة: النظرة الدونية للأنثى، إجبارها على الزواج، حرمانها من منصب تستحقه، ومن فرص التعلم والتدرب!
قد لا تكون الإجابة بسيطة إزاء ظاهرة اجتماعية معقدة ومزمنة ولها امتداداتها التاريخية إلى عصر الجاهلية، عصر الغارات والسلب والسبي، حين كان الرجل يفخر بوأد الأنثى بحسبها جالبة للعار والفضيحة، ويحرمها من حقوقها كونها غير مشاركة في جلب الغنائم... ثقافة العنف ضد المرأة عميقة الجذور في التربة الاجتماعية، وهي تمنح الرجل سلطة مطلقة على المرأة وتهيئ المرأة لقبول الخضوع والطاعة بل وتحمّل الإهانة من غير شكوى. من هنا نفهم سرّ احتفاء الأدبيات التي تمجّد (المرأة الصابرة والمطيعة) على ألسنة الدعاة والوعاظ، فهؤلاء جميعاً يعتقدون أن قدر المرأة المسلمة أن تتحمل العنف وتصبر على الإهانة، فهناك مكافأة أخروية عظيمة لها، لذلك يحذرونها من عصيان أمر زوجها ولو كان تافهاً لأن العقوبة عظيمة، فالملائكة تلعنها والناس يسخطون عليها، ويروون في سبيل تأكيد تحذيرهم حديثاً مكذوباً، أن الرسول قال: "لو كنت آمراً أحداً بالسجود لغير الله لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها"! لكن لماذا؟ (لِعِظم حقه عليها)! ما هو هذا الحق العظيم الذي استحق الزوج بموجبه هذا السجود الذي لا يجوز لغير الله؟ إنه الحديث الآخر المكذوب والذي فيه "أن للمرأة عشر عورات، فإذا تزوجت، ستر الزوج عورة واحدة... حتى إذا ماتت ستر القبر العورات الباقية"!

لكن ما المقصود بالعنف؟ خلافاً لما يظنه البعض من أنه "العنف المادي" فحسب متمثلاً في الضرب والدفع والجرح، فإن العنف المقصود هنا هو: كل ما يمس المرأة بسوء وضرر مادي أو لفظي أو معنوي. وتثبت الإحصائيات ارتفاع معدلات العنف المادي في المجتمعات العربية، بل إنه في بعضها تتعرض 90% من النساء للضرب والشتم. وقد شكلت قضايا العنف العامل الأكبر في معدلات الطلاق، لكن ظاهرة العنف المادي غير مقصورة على مجتمعاتنا بل تشمل المجتمعات المتقدمة أيضاً مع اختلاف في الدرجات والنسب والحجم والنوع، إضافة إلى أن المجتمعات المتقدمة تمتاز بفاعلية تشريعات حماية المرأة ووجود آلاف من الجمعيات والمراكز لحماية المرأة.

المشكلة الأخطر هي في تفشي العنف المعنوي أو النفسي عندنا، ومن صوره: النظرة الدونية للأنثى، إجبارها على الزواج، حرمانها من منصب تستحقه، حرمانها من فرص تعليمية أو تدريبية... على أن أكبر عنف معنوي تمارسه مجتمعاتنا ضد المرأة هو التمييز. فالتمييز عنف عظيم والمجتمع العربي يمارسه ضد المرأة منذ يوم قدومها إلى الحياة حين يفضل الأخ الذكر عليها ويختصه بمعاملة خاصة. فالمجتمع العربي ذكوري حتى في نمط تربيته، تربي الذكر ليكون سيداً مطاعاً بل إن الأم نفسها تربي ابنها ليكون (فرعوناً) بينما على الأخت طاعته، والأخ الذكر مفضل عند أمه وخطاياه مغفورة أما أخته إذا أخطأت فدمها هو الثمن. بل إن مجتمعنا يجعل الأخ الصغير وصياً على الأخت الكبرى إذا فقد العائل. على أن التمييز الأشدّ قسوة ومرارة هو حرمان المرأة العربية من نقل جنسيتها إلى أولادها وزوجها إذا تزوجت من غير مواطنها، وهو الظلم الأعظم الذي يمثل (سوءة) أخلاقية وإنسانية لا نظير لها في كل تشريعات العالم. ولا زالت المرأة محرومة من تولي القضاء في نصف الدول العربية، كما لا زالت ديتها نصف دية الرجل في تشريعات. كما أنها محرومة من قيادة السيارة، وتفرض عليها وصاية الرجل. ولا زالت ثقافات مجتمعية سائدة تزدري المرأة وتنتقص من عقليتها وتهمش دورها المجتمعي، وهي ثقافة تدرّس ولها منابر ومؤسسات ومدارس وجامعات، تلك الثقافة (اللاإنسانية) بقية موروث تعصبي تمييزي قديم بلوره ونظّر له الإمام الغزالي في كتابه "إحياء علوم الدين" في القرن الخامس الهجري على هيئة قواعد مثلى للتعامل مع المرأة على النمط العصري (دليل الزوج الذكي للتعامل مع الزوجة).

استمع للإمام الغزالي يسرد قواعد التعامل مع المرأة فيقول: "يجب أن يكون الرجل سيداً مطاعاً في بيته، لا يستمع للمرأة ولا يشاورها، فإذا شاورها -مضطراً- فليعمل بخلاف رأيها... لماذا؟ لأن "خلافهن بركة". ويحذّر الإمام الرجل من كيد النساء... لماذا؟ لأن "سوء الخلق" و"ركاكة العقل" من صفاتهن... وأنت إذا أكرمت المرأة أهانتك وإذا أهنتها أكرمتك... لماذا؟ لاعوجاج في طبعها". وقد تبرّر الإمام بأنه يقصد قلة من النساء فيبارك الإمام بقوله: "بل المرأة الصالحة فيهن كمثل الغراب الأعصم -أبيض البطن- بين مئة غراب". إنه كتاب يسوّغ العنف ضد المرأة ويقنن إهانتها من منظور شرعي، هذا الكتاب وغيره من الكتب التراثية التي تحمل نظرة دونية للمرأة، هي المراجع الأساسية التي نشأت في ظلها وتربت عليها "طالبان" والجماعات الأصولية المماثلة التي تسوّغ ممارسة العنف ضد المرأة لدرجة تهديد آباء الطالبات بخطف بناتهن إذا سمحوا لهن بالدراسة.

ما هي أسباب العنف؟ هناك عوامل كثيرة ومتداخلة أهمها:

1- النمط التربوي السائد في المجتمعات العربية حيث يُربى الرجل ليكون سيداً مطاعاً وتربى المرأة على قبول الخضوع والطاعة.

2- النظام التعليمي السائد حيث يكرّس وضعاً نمطياً لدور المرأة عن طريق إعلاء دور الرجل وإبراز عقلانيته مقابل هامشية دور المرأة وعاطفيتها.

3- النظام الثقافي الذي يكرّس ويعزّز الوضعية الهامشية للمرأة كتابعة للرجل.

4- النظام التشريعي الذي يقنن العنف ضد المرأة، إذ يعطي الرجل حق التأديب ويخفض عقوبته في جرائم الشرف ويقر التمييز ضد المرأة في حرمانها من نقل الجنسية لأولادها وحرمانها من مناصب قيادية.

5- الإعلام المرئي عبر المسلسلات والأفلام إذ يعزز سيادة الرجل وتسلّطه ويبرر خطاياه وعنفه ضد أسرته وتركه لبيته لنزوة معينة، ولكن على المرأة دائماً أن تغفر وتسامح وتضحي.

6- المرأة نفسها، لتأثرها بمفاهيم مغلوطة، تساهم في دعم الاتجاهات التعصبية في الانتخابات وتناصرها ولا تقف مع من يناصرها.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد