وهم دولة لكل مواطنيها

mainThumb

08-12-2007 12:00 AM

بعد ستين سنة من قرار الامم المتحدة تقسيم ارض اسرائيل الى دولتين قوميتين - واحدة يهودية واخرى عربية ، باسم حق تقرير المصير ، ترفض دوائر متسعة التقسيم ، بل وباسم الديمقراطية ، حل الدولتين ، يقال لنا: اكل الدهر عليه وشرب ، ليس فقط لان التقسيم غير ممكن سياسيا ، بل ايضا لانه غير مرغوب فيه ، يقال لنا ان دولة يهودية ، لمجرد كونها يهودية ، لا يمكنها ان تكون ديمقراطية حقا ، الزعم هزيل لانه يستند الى الفرضية في أن العلاقة بين "اليهودية" و "الديمقراطية" تختلف بشكل جوهري عن العلاقة بين اليونانية والديمقراطية ، او بين السويدية والديمقراطية ، وعمليا ، الفوارق بين اسرائيل والأمم الاخرى - بما في ذلك العلاقة بالدين وقانون العودة ووفرة من التفاصيل الاخرى - أقل بكثير مما درج على التفكير.

ولكن ليس فقط زعم التضارب هزيل ، بل ايضا الحل الذي يكثرون من طرحه لـ "التضارب" هزيل ، ولعل كلمة هزيل ليست على ما يكفي من الحدة ، فمن أجل الالتفاف على التشبيه - كما اسلفنا - بدول قومية اخرى ، تشبهنا بفرنسا - حيث يقترحون النموذج الاستثنائي نموذج فرنسا ، ففي فرنسا ، هكذا الزعم ، القومية ليست "اثنية" بل "مدنية" ، وما معنى القومية الاثنية - ليس واضحا على الاطلاق ، فمعظم الدول القومية هي اكثر انسجاما من ناحية اثنية من اسرائيل ، التي هي خليط من ابناء "الاثنيات" المختلفة ، ولكن ماهية القومية المدنية بالذات واضحة جدا: القومية تطابق المدنية ، وفرنسا هي "دولة كل مواطنيها" ، لانه من اللحظة التي يحصل فيها الانسان على المواطنة الفرنسية يصبح عضوا في القومية الفرنسية ، وكل المواطنين شركاء متساوين في الهوية القومية للدولة ، واذا ما تبنت اسرائيل هذا النموذج ، فستكف عن ان تكون يهودية وتبدأ في ان تكون "اسرائيلية" ، وستكون ديمقراطية حقا ، وتنتمي لكل مواطنيها ، وليس فقط رسميا من خلال حق التصويت ، بل وعاطفيا ومن ناحية قدرة التماثل.

ولكن ماذا سيكون معنى الامر بالنسبة للاقلية العربية؟ خلق هوية واحدة في دولة ديمقراطية سيفعل هنا ما فعله في فرنسا: فرضت ثقافة الاغلبية على الاقليات ، فرنسا لا تعترف بالمكانة للاقليات القومية في داخلها ، لا تعترف بلغات رسمية غير الفرنسية ، ولا تعترف بحق تطوير الثقافة التي ليست فرنسية.

من أجل ان تكون دولة كل مواطنيها ينبغي لاسرائيل ان تفرض لغة واحدة على الجميع (لغة الاغلبية ، العبرية) ، الغاء التعددية في التعليم وفرض ثقافة واحدة (اسرائيلية) على جموع السكان ، وحظر - مثلما فعلت فرنسا ، تعابير هوية منفصلة (مثل غطاء الرأس الاسلامي او اليهودي) في المدارس العامة ، باختصار ، على اسرائيل أن تفرض ، مثل فرنسا ، وحدانية الثقافة ، وليس صدفة أن فرنسا لا تفي بمعايير "ميثاق الاطار لحماية الاقليات القومية" ، الذي وضعه الاتحاد الاوروبي.

تبني النموذج المدني - المواطنة معناه اندماج مفروض ، والغاء حق الاقلية في هوية قومية خاصة بها ، وطالما لا يريد عرب اسرائيل الاندماج في الاغلبية وتبني ثقافتها وهويتها ، ويغير في الامر قليلا جدا كيف تسمى الهوية القومية - يهودية ، اسرائيلية ، كنعانية ، او هندوباكستانية - فهم يريدون ان يحموا انفسهم منها لانها ستنطوي على تنازل عن هويتهم. مؤيدو الحل الفرنسي لدولة كل مواطنيها يذكرون بهذا المفهوم ليس المناهضين للاستعمار الجديد ، بل الاستعماريين الفرنسيين القدامى: لا يهمهم ماذا يريد "الاصليون" ، فهم سيعلمون "الاصليين" ما هو الشكل السليم لتقرير المصير بالنسبة لهم ، تقرير مصير فرنسي بالطبع.

ومن المفارقة أنه بعد ستين سنة من ازالة الاستعمار ، اسرائيل انضمت اخيرا الى المسيرة وخرجت من غزة ، فوجدوا عندنا من السليم احياء الاستعمار الفرنسي بحجة الحرص على حقوق الفرد.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد