لعبة توم وجيري بين الجامعات الخاصة وهيئة الاعتماد

mainThumb

20-12-2008 12:00 AM

كنت قد حضرت محاضرة للدكتور اخليف الطراونة رئيس هيئة الاعتماد عن إشكاليات اعتماد الجامعات في أواخر شهر تشرين الثاني الماضي ، وقد كان الرجل على قدر المسؤولية حافظا لدرسه متمكنا مما يقول ، يعرف جيدا الإشكاليات وأساليب الجامعات الخاصة في التخفي عن أعين هيئة الاعتماد على طريقة جيري الذي يحاول جاهدا الإفلات من توم .

ولما كنت من الحاضرين لم أجد بدا من إجراء مداخلة تسجل في سياق أن الحقيقة والبينة مرة ، فقد قال الله سبحانه وتعالى " وانتم لها كارهون " (هود 28) ؛ فقد بدأت الحديث في مداخلتي مبينا ؛ أن معظم الجامعات وخاصة الرسمية التزمت بما طلبته رسميا وزارة التعليم العالي على لسان وزيرها الدكتور عمر شديفات ، الذي أكد أن مادة التربية الوطنية لا بد أن تدرس من قبل حملة الدكتوراة من تخصصي التاريخ والعلوم السياسية ، وبما أن تاريخ الأمة لم يعد يدرس في الجامعات الخاصة التي تعتمد على التخصصات التي تفيدها من ناحية " البزنس " ؛ فانه من الأولى أن يتاح المجال لحملة الدكتوراة في تخصص التاريخ أن يجدوا مجالا للتدريس والتعيين للإفادة منهم في متطلبات الجامعة ومتطلبات الكلية في بعض الكليات ، وبما أن معالي الوزير قال ودون لبس أمام أكثر من 500 مدرس لمادة التربية الوطنية في الجامعات ما يؤكد ما ذهبنا إليه .

وقد قلت في المداخلة : " إن معالي الوزير هو صاحب الولاية بالنسبة للتعليم العالي ، وما يقوله يمثل بالتالي رأي الدولة وعلى رأسها جلالة الملك عبد الله الثاني بن الحسين ، الذي أولى عناية خاصة لهذا التخصص .

ولهذا اتخذ مجلس التعليم العالي قراره بضرورة تدريس مساق يحمل اسم " التربية الوطنية " انسجاما مع توجهات جلالة الملك ، وقامت الجامعات بإقرار خطة لهذا المساق من اجل تدريسه في الجامعات والكليات الجامعية في البلاد ، وكان جلالته قد أكد على مسالة الهوية الوطنية ، وقد ربط بينها وبين مبادئ الثورة العربية الكبرى ، كمؤشر لملامح التكوين الأردني الأول ذا المنابع العروبية – الإسلامية . وبينت في مداخلتي ؛ أن تخصص التربية الوطنية هو تخصص هام كمتطلب جامعة إجباري في جميع الجامعات الحكومية والخاصة ، إلا أن هذا التخصص ليس له كادر متخصص ومعين في بعض الجامعات التي لا تنظر للمصلحة العامة إلا من ثقب صغير فقط ، حيث أن أي مدرس لمادة حتى لو كانت التربية الوطنية ـ ولا اعتقد أن هناك أغلى من الوطن ـ أي مدرس لا بد أن تستفيد منه هذه الجامعات في موضوع الاعتماد ؛ ولذلك قام بعض هذه الجامعات بتعيين مدرسين من تخصص مادة " التربية " من تخصصات معلم صف وتربية طفل ومناهج وأساليب كمدرسين لمادة التربية الوطنية ؛ من تخصص التربية الذي لم يذكره معالي الوزير نهائيا من بين التخصصات المعنية بتدريس مساق التربية الوطنية .

رغم أن إحدى الجامعات الخاصة قد أعلنت عن مسابقة لتعيين أساتذة لهذه المادة ، على شكل لجنة برئاسة عميد إحدى الكليات من تخصص الإدارة والاقتصاد ليرأس اللجنة التي كلفت باختيار مدرسين لمادة التربية الوطنية من تخصصي التاريخ والعلوم السياسية ؛ اجتمعت شكليا لمرة واحدة ، ويبدو أنها وجدت أن المدرسين من تخصص التاريخ والعلوم السياسية لا يفيدون الجامعة من حيث الاعتماد ؛ لهذا لجأت اللجنة بتعليمات من رئيس الجامعة الخاصة إلى تعيين مدرسين في قسم العلوم التربية كان وجودهم ضرورة من اجل تخصص التربية الدقيق ؛ عينوا في قسم العلوم التربوية ، وكلف بعضهم بتدريس مادة التربية الوطنية ، حتى لا تلجأ الجامعة إلى تعيين مدرسين لا يفيدون الجامعة في مسألة الاعتماد التي باتت أهم من مصلحة الطلبة ومصلحة الوطن وتعليمات معالي الوزير .

وفي هذا السياق فقد تلاعبت الجامعة وراوغت وتاجرت على حساب الطلبة الذين يريد ذووهم أن يتم تعليمهم من قبل أساتذة متخصصين كل في مجاله ، وقد حدث أن درس بعض المدرسين موادا متخصصة ومؤهلاتهم بعيدة كل البعد عن هذه التخصصات .

وقد روى لي الطلبة في إحدى الجامعات عن بعض الإشكالات وبعض الأسئلة التي تعرض لها هؤلاء المدرسون ولم يتمكنوا من الإجابة عليها ، ومنها سؤال أثاره احد الطلبة عن التاريخ الحقيقي لاستقلال الأردن والاستقلال التام أو الناجز ، وكذلك سؤال حول إمارة الشرق العربي وما علاقتها بإمارة شرقي الأردن ، وغيرها من الأسئلة التي لا يجيب عليها إلا المتخصصون .

وقد تساءلت أثناء المداخلة لمحاضرة الدكتور اخليف الطراونة قائلا : " إذا كانت كل التخصصات متوفرة في الجامعات ولها مدرسوها ؛ لماذا هذا التخصص اي تخصص التربية الوطنية الذي يدرسه جميع طلاب الجامعة أصبح مادة تنفيعية فقط ؟ يعطى للمحاضرين غير المتفرغين حسب الواسطة والعلاقات قبل تعيين التربويين وبعده ؟.

وطالبت بإيجاد آلية لمراقبة الجامعات حتى لا تخالف عملية الاعتماد . وتساءلت : " أليس من الأجدى أن توجد عملية أكثر دقة وأكثر صرامة مع الجامعات ؟ للصالح العام ولصالح الوطن ؟ .

وتحدثت عن عقود وهمية تجريها بعض هذه الجامعات مع أعضاء هيئة تدريس لمواد من النادر إيجاد مدرسين لها ، وذلك للضحك على الذقون وذر الرماد في عيون هيئة الاعتماد .

واعرف شخصيا أن عملية " توم وجيري " تجري في هذا السياق ؛ ولدي مثال واقعي توصلت إلى كنهه من خلال بعض المدرسين من جنسية عربية ، ومن خلال بعض الجهات الرسمية التي اطلعت على مثل هذه التلاعبات .

فقد حدث أن قامت إحدى الجامعات الخاصة عندما علمت أن هناك نية لدى هيئة الاعتماد للتفتيش والتدقيق ليوم الثلاثاء 28/10/2008 على تخصص مادة الغرافيك قامت باستدعاء احد الأساتذة من إحدى الدول العربية وتعاقدت وهميا أي على الورق فقط ، حيث قامت الجامعة باستدعائه بين عشية وضحاها بواسطة الطائرة ، وتم التعاقد معه لسد النقص شكليا وسافر ربما بعد ليلتين أو ثلاثة عائدا إلى بلاده .

وعندما طلبت هيئة الاعتماد مقابلة الأستاذ تمت المقابلة في اليوم التالي . وقد تبين أن عقده وهميا . ويبدو انه تم مؤخرا التعاقد مع غيره لسد النقص بعد أن فشلت الجامعة في استبقائه مدة أطول أو حتى إثبات انه يقوم بتدريس هذه المادة فعليا أو انه يتقاضى راتبه فعليا أو حتى أن كانت له محاضرات فعلية .

وقد تكررت هذه العملية في نفس الجامعة في 10/11/2008 حيث قامت هيئة الاعتماد بالتفتيش مرة أخرى ؛ فتم استدعاء أستاذ الغرافيك في 11/11/2008 وقد بقي في الأردن لثلاثة أو أربع ليال ، إلا أن ذلك لم يحل المشكلة فاضطرت الجامعة للبحث عن شخص آخر .

والسؤال كيف تدرس هذه المادة وليس لها أساتذة ؟ الأولى أن يتم إلغاء التخصص أو تخفيض عدد الطلبة بدلا من اللف والدوران .

كما قامت الجامعة نفسها بمحاولة استقدام أستاذ في مادة الإحصاء أو الاقتصاد تعاقدت معه وهميا وهو يقيم في بلد عربي ثالث ولم تتمكن من إحضاره لأسباب إدارية .

مثل هذه العمليات تشبه تماما ما يحدث دوما بين " توم وجيري" من مطاردة مستمرة وتخف مستمر ، وفي اللهجة الأردنية تشبه لعبة " الطمية " .

ونسأل : أين المؤسسية في هذه الجامعات ؟ ولماذا يتم التلاعب ولصالح من ؟ وأين الهدف التربوي الأسمى في هذه العملية ؟؟ .

وقد أثار طرحي لموضوع التربية الوطنية وتوم وجيري جوابا مهتما وطويلا من الدكتور اخليف الطراونة واهتماما ودقة وإجابة حاذقة حازت على إعجاب الجميع ، في حين قام أهل الجامعة بالتهامس ، ومحاولة أن يرد احدهم على هذا الطرح ؛ إلا أن محاولات الرد لم تجد ، حيث أن من يعلق الجرس أو ربما من قام بالمخالفة لم يكن في منصب اقل من منصب رئيس الجامعة أو نائبه . إلى متى يبقى هذا التسيب ويبقى هذا الاستهتار ؟ .

لقد قامت هذه الجامعة نفسها باستبعاد احد مدرسي مادة التربية الوطنية من الجامعة نهائيا لأنه دافع عن الوطن ملكا وحكومة وشعبا في إحدى محاضراته أمام بعض التجني على الوطن من بعض الطلبة ، فكان أن أمر ذوو الأمر في تلك الجامعة بمنع أن يقوم مرة أخرى بتدريس مادة التربية الوطنية في تلك الجامعة .

وكأن الجامعة ليست من جامعات الوطن ، نتمنى أن ينظر للانتقادات وقول الحقيقة بعين المصداقية والشجاعة الأدبية ، لنصبح في الأردن مثالا يحتذى الوقوف إلى جانب الحقائق ومواجهتها ، لا التستر وراء سحب التضليل والكيل بمكيالين والمراوغة في مؤسسات من المفروض أنها تقوم بتعليم وتربية الأجيال .

وإلا فسنعلن تأييدنا لما قاله الدكتور محمد عدنان البخيت وما قاله الدكتور وليد المعاني عن التعليم الجامعي في الأردن خاصة " الخاص " ونسأل عن جدوى وجود مثل هذه الجامعات .



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد