وعد بلفور وشواهد القبور

mainThumb

01-11-2008 12:00 AM

كأنما هما في صراع، كأنما هي حكاية… قصة وعد بلفور وصراع حروف نصه المشؤوم مع تلك الشواهد التي تعتلي القبور والتي كتب عليها كلمة شهداء تعريفاً بمن نتوهم بأنهم ساكنيها وهم في علياء السماوات أحياء يرزقون، وكل شاهدة منها رغم أنها صغيرة إلا أنها كالسارية تعتلي في السماء شامخة.

يصادف الثاني من تشرين الثاني من كل عام منذ عام 1917م الذكرى المشؤومة لإطلاق وعد بلفور، وهنا تسترجعنا الذكريات للوراء لتتشكل سلسلة متتالية من الأحداث والآلام مقدراها واحد وتسعون عاما عاشها العالم العربي نظير تطبيق ذلك الوعد، ولقد كان ذلك الوعد بمثابة إعلان صريح عن انطلاق مشروع قيام دولة إسرائيل وكان عطاء المشروع هذا قد حظيت به وتبنته سياسات بريطانيا التي كانت عظمى في ذلك الزمان، وكان استحواذ بريطانيا على هذا العطاء بمثابة رعاية إنسانية منها لأجل شعب ممزق بلا هوية اسمه الشعب اليهودي، وبما يحمله العطاء من صبغة المشروع المندرج تحت خانة المساعدات فقد كان زمن التنفيذ مفتوحاً ولكن ما كان مخيفاً هو أن صك إعلان الوعد كان يحدد المكان، وللأسف كانت فلسطين العربية هي أرض هذا المشروع، ونظراً لما كان يحويه هذا الإعلان من بيان صريح لعملية محو هوية فلسطين العربية واستبدالها بهوية جديدة فقد واجه سريان تنفيذ هذا العطاء صدوداً عربياً شعبياً وقيادياً، ولقد حاولت قيادات المنطقة الممثلة بمطلق الثورة الشريف الحسين بن علي وبنيه بكل ما كانت تحمله من روح التحدي الذي واجهت به النظام العثماني أن تقف في وجه هذا المشروع الذي لم يمنحهم استراحة المحارب الذي أنهكت قواه لا عزيمته مكائد حيكت خيوطها في الخفاء الغربي لأجل إجهاض مبادئ الثورة العربية الكبرى لكي لا تكتمل طموحات الشريف الحسين بن علي بقيام الوحدة العربية، وكل ذلك تم لكي لا يكون في الأفق الزمني المنظور من هو قادر على الوقوف وهدم المشروع الذي أطلقه وعد بلفور، وبعد مخاض ليس باليسير وتحت مظلة الأمم المتحدة وفي أرض الراعي الوريث للمشروع المتمثلة بالولايات المتحدة الأمريكية وبالتحديد قبل انقضاء 31 عام على إطلاق الوعد المشؤوم وبتاريخ 15/5/1948م تم الإعلان عن تمام المراحل الأولى من المشروع وأُعلن في الوجود قيام دولة إسرائيل على أرض فلسطين العربية.

ورغم تمام مراحل المشروع الأولى إلا أنها واجهت صدوداً وتحركاً عربياً هب لأجل تدمير المشروع الصهيوني ومنع انجازه، وكان على رأس تلك التحركات بطولات جيشنا الأردني العربي بأوامر من قيادته الهاشمية الممثلة بالملك عبدا لله الأول فهو وريث الثورة العربية الكبرى وحامل رايتها الذي استشهد على عتبات القدس الشريف، ومع الأيام كانت تزداد المكائد حتى استطاعت الجهات المنفذة للمشروع إكمال مراحل متعددة منه وبسط سيطرة شبه كاملة على ارض فلسطين، ولكنهم الذين تشاركوا في هذا المشروع تناسوا أن العهد الذي أعطى وطناً لليهود في فلسطين كان عهداً لفظياً وورقياً ومع ذلك تم انجازه وفي ذات الوقت عليهم أن يعوا أن عهداً بالدماء الزكية للشهداء الذين سقطوا في القدس الشريف وفي وادي اللطرون وفي كل بقاع فلسطين منذ بداية القضية وحتى يومنا هذا قد كتب عهداً كافياً ليمزق وعد بلفور ويعيد بناء دولة فلسطينية على ترابها الوطني، وهو كفيل ليفشل أي مشروع يستهدف محو الهوية الحقيقية لأرض فلسطين وشعبها الأصلي الأصيل، وإن الأجيال المقبلة ستفي بهذا العهد في يومٍ من الأيام ولن يطول في ظل سياسات الغطرسة وتجاهل دعوات السلام التي تتبعها نظم الكيان والراعين لمشروع وعد بلفور، وعليهم أن يعوا أن شواهد قبور شهدائنا المتناثرة في مدن فلسطين وفي مدن المملكة الأردنية الهاشمية وفي كل مدينة عربية لمن سقطوا دفاعاً عن فلسطين وعن الحرية في مواجهة الاستعمار تمتلك صلابة لا تستمدها من الحجارة بل من قلوب تؤمن بأحقية الشعب الفلسطيني بتقرير مصيره وبحقه بوطنه على أرضه، وما كتب على تلك الشواهد سيبقى أقوى من وعد بلفور، فما كان يؤمن به أصحاب تلك القبور تتوارثه الأجيال جيلاً بعد جيل، ولن تمحوه الذكريات كما يظن الواهمون.

وفي هذا اليوم الأحد الموافق (2/11/2008م) (الثاني من تشرين الثاني من العام ألفين وثمانية) يحتفل الكيان الذي انتزع أرض فلسطين بما أنجزه، ونحن في الجهة المقبلة نستذكر شهدائنا وتضحياتهم واحتفالنا بهم فيه بيان بأننا على قدر العزم والتحدي، فتحية من كل أردني ومن كل عربي ومن كل مؤمن بالقضايا العربية لأصحاب الشواهد الذين اعتلوا وما سقطوا دفاعاً عن تراب أوطانهم، وتحية منا جميعاً لمن انتهجوا نهج التضحيات لأجل الأمة وعلى رأسهم شرفاء بني هاشم.

في النهاية نقول إن في الثورة العربية الكبرى وما تحمله من مبادئ.... وفي القدس الشريف وفي اللطرون وما تحمله من تضحيات...وفي حزيران وما يحمله من أمل...وفي الكرامة وما تحمله من صمود...وفي رمضان وما يحمله من نصر... حتى السلام وما يحمله من إنسانية...وما بعد السلام وما يحمله من طموح ووعود...في كل واحدة من هذه العناوين المشرقة ستجد شواهد قبور تحكي قصة صمود لرجال صدقوا في عهودهم، ستجد شواهد تنادي بحق لا بد أن يعود، وكل تلك العناوين وما سيكون من بعدها في ظل راياتها ستكون سلسلة متكاملة ستمحو وعد بلفور.

Malek_alb@yahoo.com



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد