الجامعات وخدمة وتنمية المجتمع المحلي

mainThumb

26-09-2008 12:00 AM

الجامعة عند إنشائها سواء كانت حكومية أو خاصة تصبح جزء هام من المجتمع المحلي الذي تنشأ فيه ولا شك فإنها تسهم في نهضته وتقدمه سواء عن طريق رسالة التعليم أو البحث العلمي الجاد أو التفاعل مع المجتمع والعمل على الاستجابة لهمومه وحاجاته وتطلعاته. ولما كان هذا هو واقع الحال فإن الوضع الطبيعي والمنطقي أن تعكس الجامعة واقع المجتمع المحلي وتأخذ بعين الاعتبار ظروف وإمكانات أبناء ذلك المجتمع عند المنافسة سواء في الدراسة في الجامعة أو في التعيين في مختلف وظائف الجامعة الإدارية أو الأكاديمية وذلك انسجاماً مع الفلسفة من إنشاء الجامعة في تلك المنطقة ابتداءً وتجسيداً لمبادئ العدالة وتكافؤ الفرص.
 إنه من غير المعقول عند إنشاء جامعة في محافظة مادبا على سبيل المثال أن يتنافس على الالتحاق في هذه الجامعة من أكمل دراسته الثانوية في إحدى المدارس النائية التابعة لمحافظة مادبا ذات الإمكانات المتواضعة جداً وفي ظروف اقتصادية أو معيشية بالغة الصعوبة وحصل على معدل 70 في الثانوية العامة مع طالب من محافظة العاصمة حصل على معدل 70 ولا نحتاج للحديث عن إمكانات مدارس العاصمة أو الظروف المعيشية لسكانها. إن مساواة الطالبين السابقين في المنافسة هو الظلم بعينه.
 وتنطبق الحقائق السابقة عند الحديث عن تعيين الإداريين والأكاديميين في تلك الجامعة. للأسف أن ما يجري في كثير من الجامعات الحكومية عند تعيين أعضاء هيئة التدريس هو تهميش وحرمان الكثير أبناء المحافظة التي تقع فيها الجامعة بحجة أنها جامعة للوطن وكان أبناء تلك المحافظة ليسوا من أبناء هذا الوطن. ويترتب على مثل هذه الإجراءات الكثير من الخسائر والأضرار التي تلحق بالجامعة والمجتمع المحلي والوطن بشكل عام منها على سبيل المثال غياب دور أعضاء هيئة التدريس في خدمة وتنمية المجتمع المحلي، فإذا كانت وظيفة عضو هيئة التدريس هي رسالة التعليم والبحث العلمي وخدمة المجتمع المحلي فإن أبناء المجتمع المحلي المؤهلين الذين تتاح لهم فرصة الالتحاق في جامعة في محافظتهم هم الأقدر على التفاعل مع ذلك المجتمع وخدمته والتفاعل معه وذلك باعتبارهم جزء من ذلك المجتمع ويعرفونه حق المعرفة فأهل مكة هم دوماً أدرى الناس بشعابها وبحاجاتها وأهدافها وتطلعاتها.
 تطبيقاً لمقولة جامعة وطن والتي أصبحت كلمة حق يراد بها باطل يتم تعيين أعضاء هيئة تدريس في جامعة حكومية في إحدى المحافظات من خارج أبناء المحافظة التي تقع فيها تلك الجامعة وبعد مرور 4 و 5 سنوات يتقدم عضو هيئة التدريس المعين في تلك الجامعة بعدد من الأبحاث العلمية لغايات الترفيع وبالرغم من أن المشاركة في خدمة وتنمية المجتمع المحلي هو شرط أساسي من شروط الترقية إلا أن هذا الشرط غير مفعل في كافة الجامعات الأردنية ويتم ترفيع ذلك المدرس بالرغم من عدم مشاركته في خدمة المجتمع ولو على مستوى إلقاء محاضرة عامة أو المشاركة في مناسبة اجتماعية أو وطنية، لا بل أن بعض أعضاء هيئة التدريس في بعض الجامعات لا يعرفوا حتى أسماء بعض القرى المحيطة بتلك الجامعة فكيف ساهموا في خدمة المجتمع المحلي لتلك الجامعة؟ إن وظيفة عضو هيئة التدريس هي ليست فقط أن يكون باحث Scholar منتج للمعرفة العلمية وإنما أيضاً ناشط Activist في العمل التطوعي وخدمة المجتمع المحلي يقدم المعرفة أو المبادرات والأفكار التي تسهم في خدمة المجتمع فالشراكة بين الباحث والمجتمع هي جزء من مسؤولية الباحث أو المثقف.
 وفي هذه المناسبة فإنني أود أن أتوقف عند تجربتين رائدتين في هذا المجال بخصوص علاقة الجامعة بالمجتمع المحلي أولهما تجربة المربي الفاضل د.عبد الله العكايلة حيث اتخذ قراراً حكيماً جريئاً تمثل بقبول كافة أبناء الطفيلة الراغبين في دراسة التمريض في الجامعة من الذين تزيد معدلاتهم في الثانوية العامة عن 65% وأترك المجال لتقييم تلك التجربة لأبناء محافظة الطفيلة. أما التجربة الأخرى فقد كانت أثناء تولي الأستاذ الدكتور عادل الطويسي رئاسة جامعة آل البيت حيث عزم على إيفاد عدد من الطلبة لمتابعة دراستهم العليا في الجامعات الغربية وأراد إعطاء الأولوية لأبناء محافظة المفرق في هذا المجال وقد لاقى ذلك القرار ارتياحاً شعبياً من أبناء محافظة المفرق ولكن للأسف غادر الدكتور الطويسي الجامعة دون أن يتمكن من إكمال المشروع ونأمل من سعادة الأستاذ الدكتور نبيل شواقفة إيلاء هذا المشروع عنايته ويأخذ هذه الأفكار بعين الاعتبار. وختاماً فإن هذه الأفكار هي رؤية شخصية حول دور الجامعة في خدمة المجتمع المحلي وهي قابلة للتعديل والحوار والنقاش من أجل خدمة الوطن واستكمال مسيرة البناء والتحديث وعلى كافة المسؤولين في هذا الوطن الغالي أن يستلهموا مبادرات جلالة الملك المعظم عبد الله الثاني بن الحسين ومكارمه الخيرة والمتعددة تجاه طلبة العلم والتي كانت آخرها تقديم مكرمة ملكية لأسرة طالبة متفوقة من أبناء محافظة العقبة. فنحن بأمس الحاجة لجامعات وطن تقدم للمجتمع مبادرات وتسهم في تلبية حاجات وتطلعات أبنائه فالتعليم سترة للفقراء وزينة للأغنياء. ونحن بحاجة لأعضاء هيئة تدريس على صلة بالمجتمع يعرفون أهدافه وحاجاته قريبين من همومه وتطلعاته يطرحوا أفكار وحوارات تساعد على فهم الواقع أولاً ومحاولة تغييره نحو الأفضل ثانياً، لا مدرسين بعيدين عن المجتمع وغريبين عن قيمه وعاداته وتطلعاته في الحياة والحرية والعيش الكريم والأحلام التي لا تعرف حدود، وبخلاف ذلك يبقى أعضاء هيئة التدريس في هذه الجامعات أشباه مثقفين ينتجوا جيل من متعلمين غريبين عن وطنهم وأمتهم وثقافتها وحضارتها، وتبقى الجامعات مجرد جزر معزولة لا علاقة لها بالبيئة المحيطة أو المجتمع المحلي.




تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد