أسئلة مشروعة بين يدي القرضاوي

mainThumb

23-09-2008 12:00 AM

رغم أن القدس كانت على مدار تاريخ الأمة عامل وحدة وتوحيد للأمة. فإن اليوم العالمي للقدس، الذي أطلقه الإمام الخميني رحمه الله، يأتي هذا العام في ظل المزيد من الانقسام الذي يعصف بالمسلمين.

ويدفع بهم من جديد إلى استبدال عدائهم للصهيونية ممثلة بإسرائيل والصليبية المتحالفة معها ممثلة بالولايات المتحدة الأمريكية بعداء إسلامي - إسلامي. يأخذ شكل التحريض المذهبي الذي يهدد المسلمين كلهم بالغرق في حروب مذهبية بغيضة، سيكون المسلمون لحمتها وسداها، وحطبها الذي يأكل بعضه بعضاً.

ومن المؤسف المحزن أن يشارك علماء كبار من حيث يدرون أو لا يدرون في صب النار على زيت الفتنة المذهبية. عبر تصريحاتهم التي قد تفسر بغير ما يقصدون ، كما هو الحال مع تصريحات فضيلة الشيخ يوسف القرضاوي لصحيفة المصري اليوم حول الشيعة. والتي حولها الإعلام الغربي والإعلام الدائر في فلكه إلى مادة خصبة للتحليلات التي تحمل في ثناياها تحريضاً للمسلمين على بعضهم البعض.

ومع رفضنا الشديد لما ذهبت إليه وكالة مهر الإيرانية في هجومها على الشيخ القرضاوي، فإننا كنا نحب أن لا يضع الشيخ نفسه هدفاً لنصال الذين يعلمون والذين لا يعلمون. خاصة وأن لدى فضيلته من قنوات الاتصال والحوار مع علماء الشيعة لبيان وجهة نظره الكثير. مما يغنيه عن الوقوع في مصيدة ألاعيب الإعلام خاصة وأنه أشار في بيانه التوضيحي إلى أن الصحيفة حرفت بعض كلامه حول الشيعة.

تصريحات الشيخ القرضاوي والتعقيبات التي جرت عليها، تجعلنا نجدد الدعوة لعلماء الأمة بأن يتصدوا لمهماتهم. وأولها تحصين الأمة ضد الفتنة المذهبية. وذلك بالامتناع عن تناول الاختلافات الفقهية والفكرية في مجالس العامة، وعبر القنوات الإعلامية التي من شأنها نقل صور مغلوطة تخلق بلبلة في صفوف الأمة، وأن تتم معالجة هذه الاختلافات بين أهل العلم والاختصاص كما يجري في مؤتمرات التقريب بين المذاهب، آخذين بعين الاعتبار أن الاجتهاد والاختلافات الفقهية وتعدد المدارس الفكرية، والمذهبية علامة من علامات عظمة الإسلام، وقدرته على التنوع. منوهين أن ما بين بعض مذاهب أهل السنة من اختلافات تفوق بكثير الاختلافات بين مذاهب السنة ومذاهب الشيعة خاصة المذهب الجعفري، الذي تكثر هذه الأيام صيحات التحذير من خطر التبشير به بين أتباع المذاهب السنية.

مع أن الأولى بهؤلاء الذين يحذرون من التشيع أن ينصرفوا للتصدي لغول التنصير الذي يأكل الكثير من أبناء الأمة، والذي ينشط في كل بلاد المسلمين، حتى أنه لم يترك أعماق الصحاري وقمم المرتفعات وأعماق الأدغال دون أن يصل إليها.

وفي ظل هذه الهجمة التنصيرية الغربية على بلادنا تنتشر في بلادنا الكنائس المشبوهة، التي تسير في الفلك الصهيوني، والتي حذر منها حتى النصارى العرب، مطالبين بمنعها وطردها من بلادنا.

في حين ينشغل بعض المسلمين بالتحريض على إخوانهم بالعقيدة لمجرد الخلاف المذهبي المبني على اختلاف الاجتهاد الذي هو مصدر من مصادر التشريع الإسلامي. محذرين من خطر التشيع الذي صار بفعل المكنة الإعلامية الغربية وتوابعها في بلادنا بعبعا يجب أن نخشاه.

وقد فات هؤلاء المحذرين من خطر التشيع التدقيق الجيد بهذه القضية. فالشيعي عندما يكون حليفاً لأمريكا كما كان الحال بالنسبة لشاه إيران، وكما هو الحال لبعض الشيعة في العراق، لا يعود بعبعا. أما عندما يكون عدواً لإسرائيل، مقاوماً لها وللمشروع الأمريكي في المنطقة كما هو الحال في لبنان، فإنه يصبح بعبعا علينا أن نخشاه.

وأن نحذر من ظاهرة التشيع. تماماً مثلما هو الحال بالنسبة للسني، فهو عندما يكون تابعاً لأمريكا، صديقاً لإسرائيل فإنه يمثل الاعتدال، لكنه عندما يصبح مقاوماً كما هو الحال في غزة والعراق يصبح إرهابياً لابد من اجتثاثه. ومثلما فات هؤلاء هذا التدقيق فقد فاتهم أن الصواريخ الأمريكية، أو القذائف الإسرائيلية لا تميز بين سني وشيعي في لبنان أو العراق أو فلسطين أو أفغانستان.

من هنا نستطيع القول أن الأمر ليس أمر سنة وشيعة ولكنه أمر خيارات سياسية يحاول الأمريكان ومن لف لفهم إلباسها لبوساً مذهبياً. ومن المؤسف أن تكون بعض أدواته متسربلة بلبوس سلفي، صار يهدد الأمة بالفتن المذهبية، ويحرض بعضها ضد بعضها الآخر، كما يجري في لبنان، وكما جرى مؤخراً في فلسطين، عندما أصدر من يسمون أنفسهم بجيش محمد نداء عاجلاً إلى جميع الجماعات السلفية للتوحد لصد ما سمّاه باعتداءات حماس.

رغم أن حماس حركة مقاومة سنيّة. مما يؤكد أن المفاصلة تتم الآن على أساس الخيارات السياسية وليس على أساس الانتماءات المذهبية وإلا فأين كان هذا الجيش الذي ينسب نفسه إلى رسولنا الكريم وقوات العدو تفتك بغزة؟ وأين كان والاعتداءات الإسرائيلية تتواصل صبح مساء على أبناء فلسطين؟ أم أن بعض القوى والجماعات التي تنسب نفسها إلى السلف ترى في حماس وفي حزب الله خطراً أشد من الخطر الصهيوني والصليبي؟ ذلك أننا ما زلنا نقرأ بيانات لهذه القوى تشكك بانتصارات حزب الله على العدو الصهيوني، بل وتذهب إلى ما هو أبعد من ذلك عندما تزعم هذه القوى أن ما جرى في جنوب لبنان هو ترتيبات إسرائيلية لإعطاء المد الشيعي في المنطقة زخماً.

فهل بعد هذا الغباء غباء؟! وإذا كانت بعض القوى التي تحسب نفسها على السلف وعلى السنة غير مقتنعة بمقاومة حزب الله في لبنان لأنه شيعي. وتشكك بمقاومة حماس والجهاد الإسلامي لأنهما يتحالفان مع إيران، فأين دور هذه القوى في المقاومة والعمل من أجل تحرير فلسطين وفي الطليعة من ذلك أولى القبلتين وثالث الحرمين؟؟ أم أن هذه القوى لا تعرف السلف إلا بطول الثوب وقصره، وطول اللحية وقصرها، متناسية أن الجهاد ذروة سنام الإسلام.

وأن رسول الله قال من مات ولم يغز أو يحدث نفسه بالغزو مات على شعبة من شعب النفاق. وهل غاب عن هؤلاء الذين يدعون التمسك بسيرة وسنة رسول الله أنه عليه السلام لم يترك عاماً إلا وكان فيه على رأس سرية مجاهداً في سبيل الله ذاباً عن حياض الإسلام؟ إننا وإن كنا نلتمس بعض العذر لبعض الجهلة وانصاف المتعلمين، الذين صاروا يتحدثون باسم السلف الصالح ويصدرون أحكام التكفير والتفريق على المسلمين وبينهم. فإننا نقف في غاية الدهشة والاستغراب من أن ينزلق علماء كبار نجلهم ونحترمهم إلى إثارة قضايا من شأنها تفريق صفوف المسلمين فوق ما هي مفرقة. خاصة في هذا التوقيت الذي تحدق فيه الأخطار بالمسلمين من كل حدب وصوب. وتمارس دول وأنظمة ضغوطا سياسية هائلة وتنفق أموالاً طائلة، من أجل إشعال الفتنة المذهبية بين المسلمين. وهو واقع يفرض على العلماء أن يحموا أنفسهم من مواطن الشبهة وأن يبذلوا جهودهم للتقريب بين المسلمين وتوحيد صفوفهم.

وفي هذا الإطار كنا نتمنى أن يواصل الدكتور يوسف القرضاوي جهوده التقريبية بين أتباع المذاهب الإسلامية. وأن يواصل حواره مع علماء الشيعة في إطار أهل الاختصاص، خاصة وأنه على علاقة طيبة مع جلهم.

كما أن نائبه في رئاسة الاتحاد العالمي للعلماء المسلمين هو آية الله الشيخ محمد علي التسخيري وهو من دعاة التقريب المشهود لهم والمسموعة كلمته في أوساط إخواننا من اتباع المذهب الجعفري.

وبهذه المناسبة نحب أن نضع بين يدي الشيخ القرضاوي وسائر علماء أهل السنة جملة أسئلة من بينها: أنه إذا كان علماء السنة، ومنهم الشيخ القرضاوي يعترفون بأن بين المذاهب السنية مع بعضها البعض خلافات واختلافات، تفوق ما بينها وبين المذهب الشيعي من اختلافات، فهل يعني ذلك أن المذاهب السنية تنظر إلى بعضها البعض على أنها مذاهب مبتدعة؟ وهل سيغرق أهل السنة في خلافات وحروب مذهبية فيما بينهم. ويكفر بعضهم البعض كما حدث في فترات سابقة. يحاول أعداء الأمة استحضارها في هذه الفترة من تاريخ أمتنا حيث نعاني من ممارسات جماعات التكفير التي تكفر كل من خالفها الرأي من المسلمين بل وتقتله؟ أشار الشيخ القرضاوي في حديثه عن ظاهرة التشيع إلى الدعم المالي الذي يصرف على نشر التشيع في المجتمعات السنية.

والسؤال المطروح الآن هو أين مليارات أهل السنة وهي بالتأكيد تفوق مليارات إخواننا من أتباع المذهب الجعفري؟ والجواب واضح جلي يتمثل في أنه لدى إيران كدولة، والشيعة كمذهب، مشروع حضاري ثقافي إسلامي من حقهم أن يسعوا إلى تحقيقه وأن ينفقوا عليه.

في حين أن مثل هذا المشروع غائب عن أتباع المذاهب السنية الذين تذهب أموالهم أدراج الرياح، على استثمارات عقارية وخدمية لا طائل منها إلا دعم الاقتصاد الغربي والإسرائيلي في كثير من الأحيان. بل ان جزءاً كبيراً منها يذهب لمحاربة الصحوة الإسلامية وقياداتها وتنظيماتها ذهب الشيخ القرضاوي إلى وجود كوادر مدربة على التبشير بالمنهج الشيعي.

والسؤال الذي يطرح نفسه هنا أين هم الدعاة من أهل السنة القادرين على الحوار مع إخوانهم من سائر المذاهب؟ بل ودعوة غير المسلمين إلى الإسلام؟ أليس الأجدى أن نوجه اللوم إلى حكومات البلاد السنية التي تنصاع للأمريكان فتدمر بنى المعاهد الدينية، وتفرغ مناهجها من المضامين الحقيقية للإسلام، وتجعل القبول بكليات الشريعة والمعاهد الدينية للاقل معدلات في المدارس. وتجعل خريجي هذه الكليات والمعاهد على هامش المجتمع وفي أسفل ذيل السلم الوظيفي؟ ذهب الشيخ القرضاوي إلى أن المجتمع السني ليست لديه حصانة ثقافية ضد الغزو الشيعي.

ومع تحفظنا على مصطلح الغزو الذي استخدمه فضيلته، فإن السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: هل المجتمع السني محصن ضد التنصير؟ وضد الغزو الثقافي الغربي؟ وضد الفكر الماسوني، وضد الإلحاد، وضد كل الآفات الأخلاقية التي تعصف به؛ أم أن هذا المجتمع صار نهباً لكل جراثيم الغزو الفكري؟ ليس لأن علماء وأهل السنة لم يحصنوا السنة ضد الغزو المذهبي الشيعي كما قال الشيخ القرضاوي الذي نجدد تحفظنا على مصطلح الغزو الذي استخدمه بل لقد حدث ذلك كله لأن علماء أهل السنة نكصوا عن كل واجباتهم.

وقبل جلهم بأن يكونوا إما أسرى أطر حزبية ضيقة، أو أسرى حسابات سياسية أضيق، أو أن يكونوا علماء سلاطين، يقولون ما يرضي السلطان دفعاً لغضبه أو جلباً لعطاياه.

وقد كان الأحرى بعلماء السنة أن يفعلوا ما فعله علماء الشيعة من الحرص على استقلالهم المادي والإداري عندما حافظوا على نصاب الخمس وبنوا نظام الحوزات. ذهب الشيخ القرضاوي إلى أن كل البلاد العربية هُزمت من الشيعة. وقال أن ما يجب أن نقف ضده في هذه الفترة هو أن نحمي المجتمعات السنية من الغزو الشيعي. وأدعو علماء السنة للتكاتف ومواجهة هذا الغزو.

والسؤال الذي يطرح نفسه هنا أيضاً: لماذا هذا الحضور الشيعي في سائر بلاد المسلمين. والذي أسماه الشيخ القرضاوي غزواً؟ وقبل أن نجيب على هذا السؤال نطرح سؤالاً آخر، أليس الشيعة عرباً؟ وماذا نقول في شيعة لبنان وشيعة العراق. ألم يصدر التشيع من بلاد العرب؟ أولم يكن الإمام جعفر الصادق عربياً؟ فكيف صار الشيعة غزاة لبلاد العرب وهم في الأصل عرب أقحاح؟ ألا يعتقد الشيخ القرضاوي أن سر هذا الحضور الشيعي في بلاد المسلمين عموماً والعرب على وجه الخصوص أن أتباع المذهب الشيعي إخوتنا في العقيدة وشركاؤنا في المصحف والصلاة والصيام، حققوا أول انتصارات الأمة في هذا الزمن الرديء على عدوها الإسرائيلي والأمريكي. كما فعل حزب الله في لبنان، وكل مجاهديه وقياداته من العرب الأقحاح فعن أي غزو شيعي نتحدث؟ ثم ألم يسقط علماء الشيعة المسلمون في إيران أعتى نظام دكتاتوري في المنطقة كان حليفاً لإسرائيل وأمريكا بل لقد كان عصاها الغليظة؟ فلماذا لم يكن الشيعة يومها غزاة، وكانت إيران صديقاً وحليفاً للكثير من أنظمة المنطقة التي صارت اليوم تعادي إيران وتحذر منها؟ ألا يعتقد الخائفون من المد الشيعي في المنطقة أن أحد أسباب ألق الحضور الشيعي في بلادنا هو تعبير عن رفض للواقع السياسي والاجتماعي عند السنة.

وحركة احتجاج على قصور علماء السنة عن أداء دورهم في مجتمعهم كما فعل إخوانهم من علماء الشيعة؟ إننا نعتقد أن ما يجري في المنطقة حالة من التشيع السياسي الملتف حول مشروع المقاومة بكل تجلياته العسكرية والثقافية والسياسية. بدليل أنك تجد في هذا الالتفاف الماركسي والقومي والإسلامي. في الوقت الذي يناصبه فيه العداء أناس ينتمون بالوراثة والفقه للمذهب الشيعي أو السني. وهذا التشيع السياسي يمكن أن يكون عامل وحدة وتوحيد بين المسلمين يجعل بنادقهم كلها تتجه إلى العدو المشترك المتمثل بالاحتلال العسكري لبلدانهم. سواء كان هذا الاحتلال إسرائيلياً أو أمريكياً أو متعدد الجنسيات.

وهذا الالتفاف حول مشروع المقاومة بأطيافها السنية ممثلة بحماس والجهاد الإسلامي والفصائل السنية في العراق، وبأطيافها الشيعية ممثلة بحزب الله والفصائل الشيعية في العراق يمكن أن يشكل أرضية خصبة لوحدة شاملة للأمة. إذا أحسن علماؤها استغلال هذا الالتفاف وحصروا النقاش حول القضايا الخلافية بين أهل الاختصاص من العلماء. وأشاعوا بين العامة عوامل الوحدة والاتحاد فما يجمع المسلمين على اختلاف مذاهبهم أكثر مما يفرقهم.

فليكن هذا زمان الحديث والعمل عن الوحدة ومن أجلها. لوأد الفتنة في مهدها. ولنتذكر جميعاً أن هناك عدواً واحداً يحتل أرضنا يناصره متطرفون وإرهابيون يتحدثون بلغتنا لكنهم يستحلون قتلنا. لا لشيء إلا لأننا نختلف معهم على الأولويات. وليس من بينها طول الثوب وقصره ولا طول اللحية وقصرها. فهؤلاء الذين يجب أن يتداعى العلماء للتصدي لهم انتصاراً لوحدة الأمة وحماية لمشروعها المقاوم .



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد