الأزمة المالية العالمية والشرق الأوسط: فرصة للتعاون والأمن الإقليمي
في هذه المرحلة، لا يزال المنظور الاقتصادي للمنطقة إيجابيًا بشكل نسبي. فحتى قبل الأزمة المالية 2007-2008، كان الشرق الأوسط عمومًا يسير على طريق النمو ويزخر بالفرص الاقتصادية. تم تحرير الأسواق في العديد من دول المنطقة عبر التعليمات المرنة بشأن المُلكية الأجنبية والاستثمار والضرائب، والحوافز الرئيسية لأعمال القطاعين الأجنبي والخاص. كما قلّت مخاطر تنفيذ المشروعات، في الوقت الذي أصبح فيه العديد من دول المنطقة أعضاء في منظمة التجارة العالمية.
وبينما تُقدّر مساهمة المنطقة العربية بـ 2.5% فقط من معدل النمو الاقتصادي العالمي، باستثناء صناعة النفط، إلا أنها لم تحقق التكامل الكلي ضمن الأسواق المالية العالمية. ورغم ذلك فإن هذه العزلة النسبية يمكن أن تساعد على حماية المنطقة من تأثيرات الأزمة المالية الحالية.
كذلك، لا تزال المشكلات الاقتصادية الرئيسية في المنطقة متعلقة بالبنية التحتية والقدرة الاستيعابية. منذ حالة الرخاء الاقتصادي التي سادت سبعينيات القرن الماضي، أنفقت البلدان المنتجة للنفط في المنطقة مبالغ كبيرة من العائدات على مشروعات تنموية مختارة. ومع ذلك، فإن اعتمادها على صادرات النفط والغاز والعمالة الأجنبية حال دون تطوير قاعدة إنتاج متكاملة بشكل كلي. ولم تحقق دول الشرق الأوسط غير المنتجة للنفط منفعةً إقليمية كاملة من الازدهار النفطي من أجل الاستثمار بشكل كاف في الخدمات الاجتماعية والبنى التحتية.
ظلّ النمو الاقتصادي في الشرق الأوسط عمومًا ينتج في غالبه عن الإيرادات النفطية والاستثمارات العقارية ومشروعات الإسكان والسياحة والمساعدات الأجنبية، بدلاً من المشروعات الإنتاجية. وحيث لم يتم ضخ فائض الثروة من أجل بناء قاعدة صناعية وبنية تحتية قوية، فإن عدم القدرة الكاملة للمنطقة على استيعاب الدخل والاستثمار بطرق متنوعة يمكن أن يؤدّي إلى زعزعة الاقتصاد إذا ما تفاقمت حالة الكساد المالي العالمي.
لا تعتمد منطقتنا على الاقتصاد الدولي بقدر اعتماد مناطق أخرى من العالم عليه. إلا أن الزراعة والتصنيع في الشرق الأوسط - القطاعين الرئيسيين في توفير فرص العمل - أصبحا أقلّ تنافسية بسبب الضغط المتزايد على تصدير السلع إلى الأسواق العالمية بأسعار أدنى. وأدى ارتفاع أسعار السلع إلى تجاوز التضخم نسبة الـ 10% في معظم بلدان المنطقة. كما ساهم ربط العديد من العملات العربية بالدولار الأمريكي في تصاعد نسبة التضخم.
نجم عن التدفق الكبير للعملات الأجنبية إلى دول المنطقة في السابق، سواء من النفط أم المساعدات، ارتفاع في قيمة العملات المحلية.
تؤدي هذه العوامل مجتمعة إلى تفاقم التباين الاجتماعي والاقتصادي في المنطقة بين طبقة غنية جدًا وشريحة دنيا من الطبقة المتوسطة وطبقة فقيرة. ويصاحب الهبوط الأخير في أسعار النفط إلى ما دون الـ 100 دولار أمريكي للبرميل، إلى جانب خسارة الاستثمارات العربية في أسواق الأسهم المالية العالمية، انخفاض في مستوى العائدات التي ترِدُ إلى المنطقة من التجارة والاستثمار الأجنبي المباشر. إن أي تباطؤ طويل المدى في الاقتصاد الدولي سيؤدي إلى انخفاض في الحوالات المالية وفي خلق فرص العمل والسياحة والمساعدات الأجنبية، وإلى ارتفاع في نسبة البطالة، خصوصًا بين الشباب. كما سيبطئ الكساد الاقتصادي تدفق العمّال العرب المتعلّمين إلى الوظائف في القطّاع النفطي.
قبل وقوع الأزمة المالية العالمية، جنت المنطقة الفوائد سواءً أكانت أسعار النفط مرتفعة أم منخفضة. حيث إن في المنطقة إنتاجًا للنفط واستهلاكًا له. لكن، من المحتمل أن يعاني المنتجون والمستهلكون في الشرق الأوسط الآن من أسعار النفط، سواءً في ارتفاعها أم هبوطها، في ظل انتشار الأزمة المالية بسبب الهبوط المطّرد في الاستثمار الأجنبي بالمنطقة، إضافة إلى عدم ثبات قِي?Zمِ العملات الإقليمية بسبب الربط النقدي المباشر بالدولار الأمريكي الآخذ في التقلص التدريجي. حتى إذا كانت أسعار النفط سترتفع إلى مستوياتها السابقة التي كانت عليها في تموز 2008، فإن هذا سيشكل عبئًا ثقيلاً على العاطلين عن العمل والفقراء بالإضافة إلى القطاعات الاجتماعية الأغنى بسبب الانخفاض في قوتها الشرائية.
تتزايد احتمالات التوتر والنزاع في ظل تفاقم الفقر في بعض مناطق الإقليم. وتشير دراسة حديثة لمنظمة "أوكسفام" الدولية إلى أنّ الشعب العراقي في حاجة ماسة إلى المعونات العاجلة، بالرغم من امتلاك الحكومة العراقية إيرادات نفطية ضخمة. كما توجد حالات أخرى من التقلّب السياسي في المنطقة. وفي غياب الوظائف والدخل الثابت، ثمة احتمال حدوث التوترات الاجتماعية. كما تشكّل احتمالية وقوع نزاعات أخرى في المنطقة عقبةً في وجه الاستثمار الأجنبي. لن يستطيع الشرق الأوسط تحمّل الجمود السياسي المطرد وعدم تفعيل التكنولوجيا والمهارات الإقليمية والموارد البشرية خلال هذه الفترة الحرجة.
يمكن النظر إلى التراجع في الأسواق المالية بوصفه فرصة فريدة للاستثمار والإصلاح الإقليميين. فهي تشجّع دول الشرق الأوسط على البدء بسيرورة فوق قُطرية للتعاون والأمن. إذ يمكن لبلدان الشرق الأوسط أن تُوسّع تعاونها الإقليمي في مجالات المياه والطاقة والبيئة ليشمل الزراعة والصناعة والمعلومات والتعليم، وذلك من خلال اتفاقيات عبر إقليمية تركّز على بناء الثقة والتعاون والأمن.
كذلك، يجب أن يتم ربط التعاون عبر الإقليمي في هذه المشروعات بميثاق اجتماعي - ميثاق قانوني للتوزيع العادل للمصادر والاستثمار المالي المدروس في مجال الأمن الإنساني. لقد تم اقتراح ميثاق مواطنة للمنطقة من قبل مجموعة "أصوات من غرب آسيا" و"تجمّع مواطني الشرق الأوسط" و"سيرورة هلسنكي للعولمة والديمقراطية"، إضافة إلى شخصيات من جنوب آسيا.
ثمة حاجة إلى المزيد من العمل في مجال التعليم لخلق وعي بهذه العملية. لا بد أن تبدأ مختلف القيادات بالتركيز على منافع التعاون الإقليمي وعبر الإقليمي، الذي يشمل المجتمع المدني والحكومات وقطاع الأعمال والمستثمرين. سيكون الاستثمار الإقليمي فرصة جيدة لصناديق الثروة السيادية، والمصارف الاستثمارية والمستثمرين الأغنياء الذين أصبحوا أكثر حذرًا منذ وقوع الأزمة الاقتصادية.
طبقًا لتقديرات متعددة، بلغت قيمة صناديق الثروة السيادية في منطقة الخليج العربي خلال صيف عام 2008 حوالي 1.5 تريليون دولار أمريكي. وقد ينخفض هذا الرقم بشكل ملحوظ نتيجة للصدمات والخسائر المالية العالمية في بعض الاستثمارات في ضوء الانهيار المالي في شهري أيلول الماضي وتشرين الأول الجاري. لكن، قد تجد صناديق الثروة السيادية التابعة للدول النفطية، والبلدان الآسيوية الأخرى الغنية بالنقد أن الاستثمار في مشروعات الشرق الأوسط للتعاون الإقليمي وعبر الإقليمي بديل واعد للاستثمارات الحالية في الأسهم والعقارات.
يكمن التحدي في العالم العربي في تطوير إطار ينتقل من الاستهلاك إلى الإنتاج، ويعيد التكامل بين العمل والثروة، ويستبدل السياسة بالسياسات ويركّز على التنمية الإنسانية. إن وجود عملية عبر حدودية تبني الثقة والتعاون من خلال اتّخاذ القرارات الجمعية يمكن أن يؤدّي إلى نهج شامل للتعامل مع التوتّرات السياسية في منطقة الشرق الأوسط.
لا بدّ أن تهدف الاتفاقية عبر الإقليمية للتعاون والأمن إلى بناء السلام وتحقيق الازدهار وترسيخ الديمقراطية والأمن الإنساني في المنطقة. فهذا من شأنه أن يحمي المنطقة من الأزمة المالية العالمية ويقوّي بناها التحتية وقدرتها الاستيعابية. كما يؤسس لقاعدة مستقرّة للتعافي بعد أن يهدأ الإعصار الاقتصادي.
(عمّان – مجلس الحسن – 18/10/2008)
___________________________________________________
(*) رئيس منتدى الفكر العربي وراعيه؛ عضو في لجنة التمكين القانوني للفقراء؛ رئيس شرف منظمة المؤتمر العالمي للأديان من أجل السلام؛ سفير الإيسيسكو للحوار بين الثقافات والحضارات.
الأردن يشارك بالاجتماع الـ11 لفريق العمل المشترك مع دول الخليج
أبرز المشاريع التنموية التي تم تنفيذها بالعقبة خلال 2024
اعتقال مدير مستشفى كمال عدوان وأطفال غزة يتجمدون .. آخر التطورات
منجزات تنموية مهمة خلال العام الحالي في الطفيلة
مهم للمواطنين بشأن توقف خدمات الاستهلاكية المدنية بهذا الموعد
دوري المحترفين .. العقبة يلتقي الحسين إربد غداً بختام مرحلة الذهاب
إربد .. جريمة قتل بهدف السرقة والمحكمة تصدر قرارها
مجلس النواب: حرق مستشفى كمال عدوان جريمة حرب
وفاة شابين أردنيين بحادث سير مروع بأميركا .. فيديو
نشرة مفصلة بأسعار الخضار والفواكه محلياً السبت
مصدر أمني سوري: عملية أمنية تجري الآن لملاحقة فلول نظام الأسد
وفاة أوسامو سوزوكي .. قائد الابتكار في شركة سوزوكي موتور
محافظ دمشق ينفي دعوته للسلام مع إسرائيل
ولي العهد ينشر مقطع فيديو برفقة إبنته الأميرة إيمان
قرار هام من الأمانة بخصوص المسقفات .. تفاصيل
هام لطلبة التوجيهي بخصوص الامتحان التكميلي
مهم بشأن قسط التأمين الإلزامي على المركبات
كتلة هوائية باردة تؤثر على الأردن في هذا الموعد
إعلان صادر عن مديرية الخدمات الطبية الملكية
إحالات إلى التقاعد المبكر في التربية .. أسماء
يارا صبري تلتقي والدها الفنان سليم صبري بعد غياب طويل
9 بنوك أردنية ضمن لائحة أقوى 100 مصرف عربي
توقعات برفع أسعار البنزين والديزل الشهر الحالي
أموال ممنوحة للأردن سُحبت للتأخر في إنجاز مشاريع
منخفض جوي وأمطار صباح وظهيرة الجمعة .. تفاصيل
وظائف شاغرة ومدعوون للمقابلات والامتحان التنافسي .. أسماء