دور الأسرة الأردنية في التربية الوطنية

mainThumb

17-09-2008 12:00 AM

انطلاقاً من قناعة راسخة لدي بأن أساتذة الجامعة والمفكرين وأصحاب الرؤى عليهم واجب ومسؤولية المشاركة في المحاضرات العامة والندوات والمقالات يطرحوا فيها أفكار وحوارات يستخرجوا منها ما يعين على فهم الواقع أولاً وتغييره نحو الأفضل ثانياً وأخيراً محاولة اكتشاف آفاق المستقبل وارتياد عالم مختلف في ظروف بالغة الحساسية والتعقيد تأتي هذه المشاركة المتواضعة للحديث عن دور الأسرة الأردنية في التنشئة الوطنية.

نحن غير مطالبين بالتنازل عن ثوابتنا الوطنية أو أحلامنا الوردية أو حقوقنا الإنسانية لأن الآخرين يزرعون الشوك في طريقنا ويشككوا بنوايانا أو يمارسوا ضغوطا ولو معنوية تمارس بالإيحاء أو بالتلميح دون التصريح فالأمر متروك لنا ومرهون بإرادتنا في مواجهة إرادات الآخرين فلا ندفن طموحاتنا وتطلعاتنا وليبقى الأمل والتفاؤل والثقة بوابتنا إلى المستقبل أو الغد الأفضل.

التنشئة الوطنية هي جزء من التنشئة السياسية التي هي بطبيعة الحال جزء من التنشئة الاجتماعية. وكما يعرّف تقرير التنمية الإنسانية العربية التنشئة الاجتماعية فهي العملية التي يكتسب الفرد بمقتضاها المعرفة والمهارات والاتجاهات والقيم والدوافع والأنماط السلوكية التي تؤثر على تكيف الفرد مع بيئته الطبيعية والثقافية والاجتماعية والسياسية وهي عملية مستمرة تبدأ بمرحلة الطفولة وتستمر حتى وفاة الإنسان إلا أن مرحلة الطفولة هي أكثر المراحل تأثيراً على حياة الفرد. والأسرة هي الوحدة الاجتماعية الأولى التي ينشأ فيها الطفل ويتفاعل مع أعضائها وتأثيرها على الطفل في مراحله الأولى يكاد يكون حاسماً وبالتالي يمكن القول أنها مسؤولة عن بناء الشخصية الوطنية للطفل.

وبلغة أخرى يمكن القول أن دور الأسرة في زرع القيم الوطنية في نفوس الأبناء وتشكيل وضبط سلوكهم لا يقل عن دور المؤسسات الأخرى كالمدرسة أو الجامعة أو المسجد أو جماعات الرفاق أو مؤسسات المجتمع المدني وعلى رأسها الأحزاب السياسية أو وسائل الإعلام أو منظومة القوانين الوضعية التي تضعها السلطة.

وتبدأ عملية التنشئة منذ اللحظة الأولى لميلاد الطفل وعند اختيار اسم له. ولما كنا بصدد الحديث عن الأسرة الأردنية ودورها في التنشئة الوطنية فإن بعض الأسماء لها وقع في الذاكرة الوطنية والوجدان الوطني الأردني مثل: خشمان، شهوان، عفاش، نواش، حديثة، عودة، عضوب، كليب، عطيوي، مثقال وغيرها. ولكن هذه الأسماء أصبحت وللأسف غير متداولة في المجتمع الأردني فالأسماء الشائعة الآن هي شادي ونشأت وعلاء وحسونة وسيمون وغندور وبرهومة وغيرها من الأسماء المستأنثة.

وعلى سبيل المثال لو تقدم شاب أردني اسمه عضوب لخطبة فتاة أردنية فقد يكون اسمه عقبة في طريق زواجه منها لأنها لا تعرف شيء عن الشخصية الوطنية عضوب الزبن وما ينطبق على عضوب الزبن يتطبق على كليب الشريدة وعودة أبو تايه ومثقال الفايز وخشمان أبو كركي وعطيوي المجالي وغيرهم.

وبطبيعة الحال لا يتوقف دور الأسرة عند مرحلة اختيار الاسم وإنما يستمر في خلق المواطن المؤمن بواجباته الوطنية الحريص على صيانة وحدته الوطنية المتفاني والمستعد للتضحية في سبيل نصرة وطنه وأمته التي ينتمي إليها وهذا لا يتحقق إلا بتربية الطفل منذ نعومة أظفاره للقيام بهذا الدور. وكذلك لا نغفل أهمية الأسرة في عملية التربية الديمقراطية باعتبار الديمقراطية غاية ووسيلة في آن واحد تستطيع الأسرة من خلالها تثقيف الأبناء بمفاهيم الحوار واحترام القانون والتأكيد على قيم الاعتدال والتسامح والوسطية وتحصينهم ضد مفاهيم العنف والتعصب والتطرف والتمييز العرقي والطائفي والمذهبي ومحاربة الولاءات الضيقة.

المجتمع الأردني على مفترق طرق: يمر المجتمع الأردني شأنه شأن الكثير من المجتمعات في المنطقة بمرحلة تغيير كبيرة بحيث تختلط فيها الكثير من المفاهيم والحقائق بالأوهام والظنون فالتحولات التي طرأت على حياة الأردنيين في العقدين الماضيين أدت إلى تغيرات كثيرة في منظومة القيم السلوكية والأخلاقية والتي جعلت الفرد يعيش بعقلية متباينة أو متصارعة تتنازع شخصيته وتجعله نهباً للحيرة والارتباك والخوف. وأبرز التحديات التي تواجه الأسرة الأردنية في هذه الأيام وتؤثر سلباً على دورها في التنشئة الوطنية هي باعتقادي ما يلي:

أ‌- العولمة: في عصر العولمة شهد العالم تطوراً هائلاً في وسائل الاتصال والتكنولوجيا، فأصبح العالم قرية صغيرة وأصبحت الدول النامية ومنها الأردن تواجه إشكالية التعايش والتفاعل مع هذا العالم المتغير لإيجاد إنسان قادر على فهم هذه التحولات والتعايش معها.

ففي ظل العولمة انتقلت التكنولوجيا فأصبحت المنجزات التكنولوجية من تلفاز وإنترنت وتلفون خلوي وغيرها وسائل تعمير وتدمير في نفس الوقت. ولا يتسع المجال هنا للوقوف على الآثار المترتبة على العولمة على الأسرة الأردنية نتيجة استخدام المنجزات التكنولوجية السابقة الذكر.

ب‌- إعلاء قيم الفردية ونشر ثقافة الاستهلاك. الأسرة العربية بشكل عام ومنها الأردنية وحدة اجتماعية يفترض في أعضائها التعاون والاعتماد على بعضهم البعض فالكبير يساعد الصغير ويعيله فالفرد لوحده وبغض النظر عن إمكاناته يبقى عاجز بمفرده عن تحقيق وإشباع كافة حاجاته ورغباته ولكن هذه المفاهيم تتعرض الآن لهجوم شديد بفعل سيادة قيم الفردية وتحقيق الذات ورفض الوصاية والذكورية والاستبداد فكانت النتيجة تراجع دور الأسرة النووية الصغيرة وبطبيعة الحال الأسرة الممتدة أو العشيرة أو القبيلة التي كانت بالأمس مصدر للأمن والتعاون والحب والتكافل وغيرها من الوظائف النفسية والتربوية والاقتصادية وفي ظل سيادة نمط ثقافة الاستهلاك تراجع دور ومسؤولية الفرد تجاه المجتمع وسادة قيم الأنانية والغش والخداع وغيرها من القيم التي كانت الأسرة أو العشيرة تحاربها فالشعار السائد الآن هو الفرد أولاً وثانياً وعاشراً.

ج- الضغوط الاقتصادية الناجمة عن سياسات الخصخصة واقتصاديات السوق والتي أدت إلى اتساع الفجوة بين الأغنياء والفقراء واضمحلال الطبقة الوسطى التي كانت صمام الأمان في المجتمع.

فالأسرة الأردنية الغارقة في الهموم الاقتصادية أصبحت عاجزة عن القيام بالدور المناط بها في التنشئة الوطنية ولا سيما في الحالات التي يخرج فيها الأبوين للعمل وتناط مهمة التربية بالخادمة الأجنبية وهذا الأمر لا يحتاج إلى شرح لبيان الآثار السلبية له على الطفل أو الأسرة أو المجتمع بشكل عام حيث تتفكك الأسرة ويتحول الأبناء إلى أدوات غريبة عن المجتمع وتراثه وثقافته.

ولا شك أن استئثار فئة قليلة بالنفوذ والسلطة والثروة وتجاهل وإهمال الجماعات الأخرى وتهميشها هو التربة الخصبة لنمو الأفكار المتطرفة، ففي مجتمع العدالة والمساواة وفي دولة الحق والقانون فإن تكافؤ الفرص وسيادة العدالة هي أبرز العناوين المتداولة.

د- تغيير منظومة القيم السائدة في المجتمع، فالنخوة والشهامة والمروءة والصدق والإخلاص والالتزام بالمبادئ والمثل والاستعداد للنضال والتضحية أصبحت عملة نادرة أو جزء من الماضي الجميل الذي نحن إليه ذلك أن قيم المنفعة المادية والمصلحة الشخصية واستغلال الفرص والشخصنة والعلاقات الخاصة وما يترتب على ذلك من فساد وإفساد وغيرها من الأنماط السلوكية البشعة والمشينة هي النمط السائد الآن. وتشكل الأمثال المتداولة في أوساط المجتمع حول هذه القيم نموذجاً قوياً للوعي الذي ينظر إلى الأصالة والتراث نظرة دونية، ولا أريد أن أتطرق إلى نماذج على تلك الأمثال الدخيلة على المجتمع الأردني.

وأخيراً ما العمل وهل هناك ثمة أمل في مواكبة التطور والتغيرات الاجتماعية السريعة مع الحفاظ على الهوية والخصوصية الثقافية؟ لا شك أن الإنسانية والعقلانية والحرية والعدالة هي الشروط الموضوعية لإخراج الأسرة والمجتمع من مأزقهما وهذه مهمة يمكن إنجازها باعتماد سياسة فتح الأبواب للعقول إذ أن هناك علاقة طردية بين الانفتاح والإنجاز والإبداع ولا شك أن خلق مناخ ديمقراطي تسوده أجواء الحوار داخل الأسرة سوف يكون له انعكاسات على المجتمع بأكمله وبخلاف ذلك تتقلص مساحة الحرية وتغيب الشفافية والمسائلة وتنتشر بذور التسلط والسيطرة والقهر والطغيان وتنتشر الإشاعات والإثارة والتشكيك والإحباط واليأس والرعب والخوف وتسود الأسرة والمجتمع حالة من الحرب غير المعلنة أو حرب الكل ضد الكل يكون المجتمع بأسره هو الخاسر الأكبر فيها.

وهنا لا بد من التأكيد مرة أخرى على دور المثقفين ودور الجامعات في إثراء هذا الحوار بإجراء المزيد من الدراسات التي تتناول واقع المجتمع بشكل عام والأسرة بشكل خاص لمعرفة أبرز المعيقات والتحديات التي تواجهها والبحث عن حلول لهذه المشاكل وبالتالي خلق مواطن سعيد منتمي لوطنه وأمته متحرر من الخوف والجهل والنفاق متمسك بهويته وقيمه وإنسانيته وهنا لا بد من قيام حركة واسعة وفعالة في المجتمع الأردني ينضوي تحت لوائها كل المؤمنين بضرورة وأهمية دور الأسرة في التربية الوطنية للمساهمة في إحداث الإصلاح الاجتماعي المنشود وتمتين الجبهة الداخلية وحماية النسيج الوطني من الاختراق والاغتراب وهذا شرط ضروري لتحقيق الأمن والاستقرار الاجتماعي والاقتصادي وبالتالي تحقيق التنمية الإنسانية.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد