الأكاديميا والمسؤولية الاجتماعية 2 – 3

mainThumb

04-09-2008 12:00 AM

عند قيام أستاذ الجامعة بوظيفته الأولى كباحث فلا بد من أن يلعب البحث العلمي دوراً أساسياً في حل مشاكل المجتمع وتلبية احتياجات وتطلعات أفراده، أما إذا بقي البحث العلمي محصوراً في إطار الجامعة ويستخدم لغايات شخصية بحتة مثل الترقية والحصول على مكاسب شخصية أو مادية مثلما هو واقع حال البحث العلمي في كثير من دول العالم الثالث ومنها الأردن فإن أستاذ الجامعة في هذه الأحوال يتحول من باحث منتج للمعرفة العلمية ذات الفائدة للمجتمع إلى مجرد موظف غريب عن المجتمع قاصر عن الاستجابة للتحديات التي تواجهه وعاجز عن إحداث أي إصلاح أو تغيير في الواقع.

وبلغة أخرى يمكن القول أن أستاذ الجامعة عندما يعجز عن تجاوز ذاته فإنه سوف ينتج بحث علمي مفسد أو معرفة زائفة ومن هنا تنبع أهمية وضرورة مشاركة أفراد المجتمع في تحديد أهداف وأغراض الدراسات والأبحاث، فمشاركة المواطنين ولا سيما الفاعلين منهم مثل أعضاء مؤسسات المجتمع المدني في تحديد أولويات الدراسات والأبحاث تنطوي على العديد من المكاسب والإيجابيات للباحث والمجتمع على حد سواء مثل: تعزيز قيم المشاركة والتفاعل والحوار والإحساس بالمسؤولية والشعور بالانتماء وإن أبرز أسباب العنف والتطرف في كثير من دول العالم الثالث يعود لانعدام أو ضعف المشاركة والشعور بالاغتراب الاجتماعي والحرمان والتهميش.

ومن هنا فإن إشراك المواطنين في عملية البحث العلمي سوف يعمّق شعورهم بالانتماء إلى المجتمع ويجسّد قيم المواطنة في الدولة. وكذلك لا بد من اطلاع المواطنين على نتائج الدراسات والأبحاث الأمر الذي يسهم في زيادة الوعي بنتائج الدراسات وكذلك زيادة اهتمام ومشاركة المواطنين بمثل هذه الأبحاث والدراسات والإقبال عليها بحماس. إن الشراكة بين الباحث والمجتمع المحلي توفر للباحث فرصة للاطلاع على رؤى وأفكار وخبرات متنوعة وعلى الباحث المنتمي للمجتمع أو الذي لديه الشعور بالمسؤولية الاجتماعية أن يدرك حقيقة أن كثير من المفكرين وأصحاب الرؤى والتجارب الميدانية هم خارج أسوار الجامعات وبالتالي فإن طلب المساعدة منهم أو إتاحة الفرصة لهم للمشاركة هو تعزيز لمبدأ الضمير المجتمعي أو المسؤولية الاجتماعية، وهذا هو اتجاه جديد في حقل البحث العلمي وأحد نتائج ما سمي سابقاً بـ Interdisciplinary. إن منطق أن رجل الشارع غير مؤهل للمشاركة وأن الباحث هو وحده الذي يحتكر الحقيقة أو المعرفة هو منطق من الماضي البعيد الذي تجاوزته التجارب الإنسانية في المجتمع المعاصر.

لا بل أن الشراكة بين المجتمع والباحث تتوج في إشراك المجتمع في تقييم الكثير من الدراسات والأبحاث الأمر الذي يسهم في زيادة الدقة والموضوعية ورفع سوية النتائج التي يتم التوصل إليها.

وعلى الباحث أن يعرض نتائج البحث العلمي بشفافية وحياد وعدم الرضوخ للضغوط التي تمارس من قبل السلطة لتقديم آراء ونتائج تخدم سياسات السلطة. إن الباحث الذي يصبح ابناً مطيعاً للسلطة ومخلصاً في تنفيذ شروطها ورغباتها فإنه يتماشى مع السلطة ويخرج من نطاق المجتمع وبالتالي فإن المجتمع سوف ينظر إليه بعين الشك والريبة وعدم الاحترام ويدرك أن أفكار هذا الباحث ملوثة ودراساته مشكوك في صحتها وموضوعيتها. فعلى سبيل المثال إن قيام باحث تحت ضغط السلطة بإجراء دراسات والتوصل إلى نتائج تفضي إلى التقليل من الأخطار الناجمة عن ارتفاع درجة حرارة الأرض والأخطار البيئية المترتبة عليها فإن مثل هذه الدراسات لن يقبلها المجتمع وبطبيعة الحال لن تسهم في حل مشكلة الغذاء العالمي أو التخفيف من الآثار السلبية لارتفاع درجة حرارة الأرض. إن نوعية وصدق المعرفة العلمية المنتجة ولا سيما تلك التي تؤثر في السياسات المتبعة في مجالات الصحة والمياه والغذاء والبيئة والتعليم لا تقل أهمية عن المعرفة المنتجة في مجالات الديمقراطية والحكم الرشيد وحقوق الإنسان وتمكين المرأة. ولذا فإن الباحث الجاد الملتزم بأخلاقيات البحث العلمي يدرك تماماً أنه لا مجال للمساومة أو التلاعب بنتائج البحث العلمي. وبطبيعة الحال لا يستطيع الباحث القيام بهذا الدور في ظل مناخ من الاستبداد أو الخوف وبالتالي فإن حرية الباحث وعدم ممارسة أي ضغوط أو إغراءات هي حجر الأساس في إجراء بحث علمي رصين.

جامعة اليرموك قسم العلوم السياسية



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد