إنهم يقرعون الحاويات .. !!

mainThumb

13-07-2008 12:00 AM

عنوان مقالتي استلهمته من رواية الأديب الفلسطيني غسان كنفاني (رجال في الشمس), حين حاول أبطال الرواية الثلاثة الهرب من بؤس العيش في مخيمات اللاجئين الفلسطينيين متجهين شرقاً إلى الكويت, بدلاً من الاتجاه غرباً نحو الوطن, ليلقوا حتفهم من شدة القيظ في خزان شاحنة تلتهمها أشعة الشمس... يأخذ عليهم الكثير بأنهم لم يقرعوا جدران الخزان الذي احتُبسوا فيه فماتوا بكل هدوء. .. ثم ما دار من جدل حول احتمال أن يكونوا قد قرعوا الخزان.. أو أسباب عدم قرعه ... وهنا يكمن السؤال، لماذا لم يدقوا جدران الخزان؟ أهو بسبب أملهم في الوصول قريباً؟ أم بسبب يأسهم؟ أو أن أحداً لم يسمعهم، وربما خوفاً من أن يسمعهم أحد.

في العاصمة عمان ومدن المملكة الأخرى ... نلاحظ ظاهرة واسعة الانتشار .. في ظل تفشي الفقر والبطالة .. يرى أصحابها إنها مهنة شريفة .. تكفيهم الحاجة والعوز .. بعضهم امتهنها بالوراثة .. والبعض الآخر يرى إنها أفضل من التسول وسؤال الناس .. في ظل زمن لا يرحم. "النباشون".... يسيرون في الأحياء المختلفة للعاصمة .... عدتهم مجرد عصا وعربة… يغوصون في الحاويات بحثاً عن لقمة العيش …هيئة يرثى لها .. ملابس رثة، يتدلى نصفهم في حاويات القمامة يبحثون عن ضالتهم بانهماك بين القاذورات المبعثرة، ليحصلوا على ضالتهم من علب المشروبات الغازية الفارغة والكراتين وأطباق الألمنيوم والمعدن… وأشياء أخرى لا ندري... قد لا تتبادر لأذهاننا ... مما تجود به أكياس قمامة الأغنياء والفقراء على حد سواء.

كم تكبر فرحتهم عندما تغص الحاويات بمحتوياتها ... لتفيض عنها مبالغ نقدية وملابس تنازل عنها أصحابها بمحض إرادتهم ... أو أن الخادمة المنزلية سربتها إلى تلك الحاوية ... حتى الأكياس المربوطة لا تسلم منهم يخرجونها من الحاوية ليبحثوا فيها... علهم يجدون بها شيئاً ذا قيمة مما يريدون.. ليجمعوا في النهاية أكياساً معبأة بقاذورات منوعة يحملونها على ظهورهم أو بعرباتهم إن وجدت. وقبل الغروب ... موعدهم مع المتعهد لهم بالشراء .. لبيع حصيلتهم مقابل مبالغ زهيدة جداً لا تتعدى حفنة من المال... وهذه الظاهرة التي تشير في خارجها الى حالات الفقر والتخلف، تخفي في مضمونها أمورا أكبر خطورة من حالات الفقر بعد أن استفحلت أكثر فأكثر حتى باتت مهنة عمل جديدة لمن ليس له عمل... وتجلت هذه الظاهرة مؤخراً في بعض كبار السن ... مهنة يعمل بها الكبار والصغار على حد سواء. هم لا يدركون أضرارها الصحية .. كالتهاب الكبد الوبائي والسالمونيلا والتيفوئيد ... إضافة الى انتشار الحشرات والقوارض والكلاب الشاردة؟!. ‏ جيل ولد في «حاويات القمامة» والبراميل، وعاش في أحضان هذه القمائم، وأكل، وشرب، ونام معها، ومازال يعيش معها قلباً، وقالباً... وهو ما جعل هذه المهنة حصرية لصالح المحرومين والفقراء والمعوزين. نحن نكتب عن كارثة (بيئية، وصحية، واجتماعية) مرئية، ومعروفة، و ملموسة، و محسوسة، نضعها أمام أصحاب القرار من المسؤولين .. وهي بالتأكيد (لا تخفى) على الجميع الذين يعرفون كل هذه الصور بتفاصيلها.. ومناظرها - التي تؤذي العين - وتؤلم المشاعر؟ إنهم يقرعون الحاويات .. صباح مساء .. فهل يسمعهم أحد؟ ..وهل من مجيب؟.. ربما أصحاب المهنة لا يريدون .. حتى لا يقطع رزقهم !!! Zubi1965@hotmail.com



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد