«داعش» وخيارات هيلاري! - أمل حمد المسافري

mainThumb

17-09-2014 11:25 AM

أُثير في الأوساط السياسية خلال الفترة الماضية، لغط كبير سببه ما نُسب إلى هيلاري كلينتون، زوجة الرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون، المرشحة المحتملة للرئاسة الأميركية المقبلة عام 2016، والتي شغلت منصب وزيرة الخارجية الأميركية في عهد الرئيس الحالي باراك أوباما من عام 2009 إلى عام 2013.

أنها قالت في مذكراتها التي ضمّنتها كتابها الأول بعنوان «خيارات صعبة»، الذي صدر في يونيو الماضي وطبع منه مليون نسخة للطبعة الأولى، إن الإدارة الأميركية هي التي قامت بتأسيس التنظيم الإرهابي (داعش)! وعلى الرغم من قناعتي المطلقة بسذاجة مثل هذا الطرح، وبأنه مجرد أكاذيب لا أساس لها من الصحة، كونه لا يعقل أن يصدر عن شخصية لها وزنها السياسي كهيلاري كلينتون.

ولا سيّما أنها تستعد لخوض غمار الانتخابات الأميركية المقبلة، على أمل أن تكون أول امرأة في التاريخ الأميركي تتولى الرئاسة، فإنني فوجئت بأنه انتشر كالنار في الهشيم عبر عدد لا يستهان به من المواقع الإخبارية ومواقع التواصل الاجتماعي، وبدأ المعلّقون من كل حدب وصوب هواة نظرية المؤامرة، يدلون بدلوهم في هذا الموضوع، ووجدوا فيه، كما وجد فيه كثير من الجماعات، منطلقاً خصباً للتشويش وإثارة البلبلة لتحقيق مكاسب سياسية أو دينية.

فبدأوا بنشره والتوسّع في تداوله، وكيف لا وهم يتحمسون لما يرونه ويدافعون عنه بشتى السبل، وتعدّ الشائعات من أهم أسلحتهم وأكثرها خطورة، بحيث لا يدعون القارئ أو السامع يتشكّك في صدق ما يقولونه، خدمة لمصالحهم وأهدافهم المشبوهة.

لقد قرأت كتاب هيلاري كلينتون «خيارات صعبة» قبل أن أكتب هذا المقال، حتى أكون موضوعية، ولم أجد أي شيء من هذه الخرافات التي يتم تداولها على الإطلاق، وكل ما يتم تداوله بهذا الشأن تزوير للحقائق واصطياد في الماء العكر.

إن كتاب «خيارات صعبة» يتحدّث بشكل خاص عن ذكريات خسارة هيلاري كلينتون التصويت الداخلي للحزب الديمقراطي على بطاقة الترشح للانتخابات الرئاسية، ومن ثم السنوات الأربع التي أمضتها وزيرة للخارجية، وعلاقات الولايات المتحدة الأميركية مع آسيا.

ولا سيّما الصين وميانمار، ويتناول الحرب في أفغانستان وباكستان، ومحاولات إنهاء الوجود الأميركي هناك، بالإضافة إلى العلاقات الدبلوماسية والسياسية والاقتصادية مع دول العالم، وضمّ القرم إلى روسيا.

وكذلك موقف كلينتون من أحداث الربيع العربي والثورات في تونس ومصر وليبيا واليمن وسوريا، وموقفها من الاقتتال في سوريا، والسياسة الإيرانية، والصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، ودورها في رسم السياسات الدولية للولايات المتحدة في فترة هي الأكثر اضطراباً في العالم، والأزمات والتحديات والخيارات الصعبة التي واجهتها، وكيف شكّلت رؤيتها للمستقبل السياسي للعلاقات الخارجية الأميركية وطبيعة هذه العلاقات، وغيرها من الموضوعات.

هذه نظرة عامة على ما ورد في الكتاب، أما أن الإدارة الأميركية هي التي قامت بتأسيس التنظيم الإرهابي «داعش»، فمحض افتراء وشائعات لم يتم التحقق من صحّتها، وخبر لم يتم التأني والتدقيق والتثبّت منه.

وأنا هنا لست بصدد الدفاع عن الولايات المتحدة الأميركية وسياساتها أو الترويج لهيلاري كلينتون وخياراتها، فهذا أمر لا يعنيني على الإطلاق، ولكنني أحاول من خلال تناولي مثال ما دار حول كتاب «خيارات صعبة»، أن ألفت النظر إلى موضوع خطير جداً، وهو انتشار الشائعات وضرورة التصدي لها وعدم السير وراءها دون تفكير وتمحيص، وأحاول أن أسدي النصيحة بضرورة المنطقية في التعامل مع الأخبار والتأكد من مصدرها، وألا نأخذ الأخبار التي تصلنا على أنها حقائق مسلّم بها دون التثبّت منها وإعمال العقل فيها.

ولا سيّما أن ثمّة أناساً يبنون عليها مواقفهم السياسية وحتى الدينية، وكما قيل فإن الشائعات تؤدي إلى الفتنة، والفتنة كما قال الله تعالى {والفتنة أشدّ من القتل}، لأن القتل يقع على نفس واحدة أما الفتنة فتهدم بنيان مجتمع بأسره.

لقد أصبحت المشكلة الحقيقية في عصر التكنولوجيا تكمن في أن تناقل الأخبار أصبح يتم بوتيرة متسارعة ومتشعبة، حيث يمكن الترويج للشائعات ونشرها بكل سهولة، وكما قالوا فإن للإنسان ولعاً فطرياً بقبول الشائعات.

ولكن هذا لا يعني أن نستسلم لهذه الحقيقة دون العمل على التصدّي لها وابتكار أساليب فاعلة لدحضها ومقاومة انتشارها ووضع آليات تحدّ من نشاط مطلقيها ومروّجيها، ومن أهم هذه الآليات تقديم المعلومات الصحيحة إلى الناس بشكل دقيق، وتثقيفهم حول كيفية التمييز بين الحقائق والأكاذيب، فالشائعات تنتشر إذا وجدت بيئة حاضنة لها، أما إذا كانت البيئة غير مواتية لانتشارها فإنها ستموت في مهدها.

 

* البيان الاماراتية



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد