هيبة المعلم من هيبة الوطن - محمد عبدالله جرادات

mainThumb

31-08-2014 04:55 PM

صحوت صباح هذا اليوم والفرحة والبهجة والسرور تغمرني عندما  شاهدت الطلبة متوجهين إلى مدارسهم والفرحة ترتسم على شفاههم وشفاء ذويهم بعد قرار تعليق إضراب المعلمين، بعد أسبوع من التسكع في الشوارع والترقب والخوف من المجهول.


علينا جميعا أن لا ننكر أن المعلم هو الإنسان الذي يحمل أمانة المسؤولية وهو صاحب رسالة التعليم المقدسة والتي جاءت قدسيتها من قدسية رسالات الأنبياء والرسل، وهو واضع اللبنات الأولى في حياة الأجيال وهو مفخرة الأمم وقدوة يقتدي به، لأنه هو الذي يؤثر في طلابه وينمي معارفهم ويثري معلوماتهم وينير بصائرهم  ولأنه ركيزة من ركائز العملية التربوية يديرها بشكل متقن ودقيق للوصول إلى الأهداف المخطط لها كي تصل الطالب الذي هو محورها.

قلبت شريط الذكريات، فتذكرت معلم العقد السابع والثامن من القرن العشرين عندما كنت طالبا في المرحلة الأساسية وكيف كان له دور في حل مشاكل الناس وإصلاح ذات البين يزور البيوت للاطمئنان على الشيوخ والمرضى ويحل مشاكل الطلبة ويترأس الجاهات ويجلس في الصفوف الأولى لما كان له من دور واهتمام في المجتمع ، وتذكرت كيف كانت القرية تحتفل بقدومه للمدرسة وعند نقله منها، حيث يولم له الأهالي الولائم احتراما وتقديرا، وتؤمن له كل متطلبات العيش من مأكل ومشرب ومسكن فتوطدت العلاقات بينه وبين الطلاب وأولياء الأمور والمجتمع بأكمله فانعكس ذلك على خلق جيل واع منتج ومنتم لوطنه وأمته لا تشوبه أية شائبة.
 
إن السياسات المتعددة القاتلة للكفاءات والأساليب المتبعة لانتقاء القيادات التربوية وما شابها من تجاوزات ومحسوبيات ومكاسب شخصية عملت على تراجع دور المعلم وهيبته لتصبح في مهب الريح لتصل إلى درجة عالية من الانحدار بعد أن كان المعلم معلما بارزاً في العملية التربوية وهناك أيضا أسباب ومسببات عدة: منها ما هو مرتبط بالمعلم نفسه، كضعف التأهيل وانخفاض مستواه العلمي وعدم ثقتة بنفسه ولمهنته وهدم الحواجز بينه وبين طلابه، ومنها ما هو متعلق بالنظام التعليمي: كالأنظمة والتعليمات وأسس الإكمال والرسوب والضغط النفسي والبدني وغيرها.  كل ذلك أدى إلى تجرؤ المجتمع والطالب على المعلم وبالتالي أدى إلى فقدان هيبته واحترامه.


فنحن الآن وفي ظل الظروف العالمية والصعبة بحاجة إلى برنامج شامل للتطوير التربوي يشارك فيه الخبراء والمختصين وأصحاب العلاقة لدراسة المعوقات التي تحول دون تطور عناصر العملية التربوية ومن ضمنها المعلم، فإعداد المعلم مهنيا وعلميا ومراعاة قدراته وطاقاته وإشراكه في صنع القرار كل ذلك يرفع من ثقته بنفسه وبالتالي شعوره بحجم وعظم مسئوليته، فسن القوانين التي تحقق له الحماية والأمان ونظام حوافز  يميز بين المعلم الجاد والمعلم المستهتر وتوجيه الإعلام ليصحح نظرة المجتمع نحوه وإبراز دوره الايجابي تساعد على ضمان الأداء التربوي المتميز الذي يؤدي إلى خلق جيل مميز ومتميز.


وأخيرا على وزارة التربية والتعليم ونقابة المعلمين أن تحتويا الأزمة فيما بينهما وتعملا على عدم تكرارها وتتوافقا وتنسجما وتتناغما فيما بينهما لاسترداد هيبة المعلم وزيادة ثقته بنفسه وضمان حقوقه دون اللجوء للإضراب مرة أخرى حتى لا نخلق فجوة وخلل ما بين جميع مكونات العملية التربوية، لأن المصلحة العامة فوق كل المصالح وفوق كل اعتبار.


أصبحت الحاجة ماسة وضرورية لمراجعة شاملة ومستعجلة ودراسة وافية للعملية التربوية بجميع مكوناتها من خلال الجلوس على طاولة الحوار نتدارس ونتحاور لنتجاوز كل المعوقات والمشاكل التي تؤثر على العملية التعليمية التعلمية، حتى نصل إلى بر الأمان ونحمي وطننا من ما يمس أمنه وأمانه واستقراره وهيبته.
 



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد