ماذا بعد الحرب ؟ - حماده فراعنه

mainThumb

31-08-2014 10:01 AM

توقف مسلسل حرب الجرف الصامد ، بمحطاته الثلاثة : 1- القصف المركز ، 2- الإجتياح المحدود ، 3- الإغتيالات المنتقاة ، مساء الثلاثاء يوم 26/8 ، بعد خمسين يوماً  من الصمود الفلسطيني البارز ، والقصف المتبادل ، ولكن كل منهما إدعى أنه حقق الإنتصار على عدوه .

إسماعيل هنية ، رئيس الوزراء الأسبق ، ونائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس ، خاطب مؤيديه الذين تم حشدهم في ساحة المجلس التشريعي ، وهنأهم بالإنتصار ، بينما رئيس وزراء حكومة المشروع الإستعماري الإسرائيلي ، نتنياهو ، خاطب جمهوره ، وعدّد لهم عناوين الإنتصار على العدو  الفلسطيني  ، بينما ذهب خالد مشعل إلى القول من قطر ، إلى أن كتائب القسام ، بما صنعته ، تمثل نواة جيش الدفاع والتحرير الفلسطيني ، وأن معركة غزة من يوم 8 / تموز حتى 26/ أب ،   ضربت نظرية الجيش الإسرائيلي الذي لا يقهر ، كما لم تُضرب من قبل  ( هكذا بكل بساطة ) ، ناسياً الإنتفاضة الأولى ، والإنتفاضة الثانية ، وحروب لبنان التي هزمت حقاً جيش الإحتلال وأرغمته على ترك لبنان ، وحرب أكتوبر ، ومعركة الكرامة . 

المقاومة الفلسطينية ، وجهت ضربات موجعة للعدو الإسرائيلي ، من خلال عاملين : أولهما عدد الجنود الذين قتلوا في هذه الحرب ( 64 عسكرياً ) مقارنة مع الحربين السابقتين 2008 و 2012 ، وثانيهما أجبرت سكان المستعمرات والتجمعات الإسرائيلية المحاذية لقطاع غزة على الرحيل من الجنوب نحو الوسط والشمال ، وأصبح هؤلاء أحد أدوات الضغط على حكومة نتنياهو لقبول وقف إطلاق النار .

وجيش الإحتلال وجه ضربات موجعة لشعبنا الفلسطيني في قطاع غزة ، أدى إلى إرتقاء أكثر من ألفي شهيد ، وأكثر من عشرة الاف جريح ، نصفهم سيحمل إعاقات مستديمة ، وتدمير أكثر من عشرين الف منزل ، وتشريد أكثر من ربع مليون نسمة ، بلا مأوى ، شكلوا أداة ضاغطة على حركتي حماس والجهاد  لوقف إطلاق النار ، إضافة إلى عمليات الإغتيال التي إستهدفت بعضاً من قيادات القسام .
وإعتماداً على المعطيات ، لا يمكن وضع قياسات متجانسة للحكم على النتائج ، والقول الفصل أن المقاومة الفلسطينية ، إنتصرت وهزمت العدو ، مثلما لا يمكن التسليم أن العدو قد حقق إنتصاراً على المقاومة ، التي ما زالت صامدة تقف على رجليها ، إستعداداً لمواصلة السير على الطريق الكفاحي الطويل ، حيث لا خيار سوى مواصلة الطريق ، حتى يتم دحر المشروع الإستعماري الإسرائيلي وهزيمته ، وإستعادة حقوق الشعب العربي الفلسطيني ، كاملة غير منقوصة ، وفق البرنامج التدريجي ، متعدد المراحل ، حق الحرية والإستقلال وفق القرار 181 ، وحق العودة وإستعادة الممتلكات وفق القرار 194 .

في المؤتمر الصحفي المكرس للحديث عن الإنتصار سُئل نتنياهو : هل ستواصل المفاوضات مع حماس ؟؟ تجاهل السؤال ولم يجب بنعم أو بلا ، بالقبول أو بالرفض ، فإذا قال نعم فهو خرق للنهج الإسرائيلي المعادي لحركة حماس ، ولفكرة الحرب نفسها التي أطلقها لتقليص نفوذ حماس وإضعافها ، وإذا أجاب بالرفض فيكون مضللاً ، فاقداً للمصداقية ، فالواقع أنه يُفاوض حماس كما قال بن كسبيت المعلق السياسي في معاريف ، ووصفها المعلق السياسي ناحوم برنياع في يديعوت أحرنوت على أنها محادثات تقارب مع حماس ،  مثلما سبق له وتوصل إلى تفاهمات القاهرة يوم 21/11/2012 مع حركة حماس ، في عهد الرئيس السابق محمد مرسي ، وها هو يُجدد التفاوض غير المباشر مع حركة حماس ، كالسابق ، عبر الوسيط المصري ، الذي أصر على ذكر الأسماء بمسمياتها : وهي توافق إسرائيل على كذا ، وتوافق حماس على كذا ، وعلى السلطة الوطنية بقيادة الرئيس عباس أن تفعل كذا ... الخ .

ولكن ما قيمة هذا الكلام ، ومفرداته المحددة ؟ وما قيمة ذكر الأسماء بمسمياتها ؟ ؟ .
قيمة ذلك هو كسر الحواجز ، ووضع الأطراف أمام مسؤولياتها ، وحقيقة مواقفها بدون تضليل للجمهور الذي يتم إستغفاله ، فالإسرائيليون لم يتعودوا بعد على أن حكومتهم اليمينية تفاوض حماس ، وتقبل بها ، مع أن ذلك ليس جديداً ، فقد سبق وأن تنازلت حكومات رابين وشمعون بيرس ويهود براك للرئيس الراحل ياسر عرفات ، فالتنازل ليس جديداً على الإسرائيليين ، فهي حقوق فلسطينية سبق وأن تكيفت معها حكومات تل أبيب وقبلت بها ، بدءاً من المطار ، ومروراً بالصيد البحري العميق ، إلى ممر العبور إلى الضفة ، وإنتهاء بالميناء الذي وضع أبو عمار حجر الأساس لبنائه بتمويل أوروبي وياباني ، فالمطالب التي تبناها الوفد الفلسطيني الموحد كما يتباهى خالد مشعل بها ، ووافقت عليها القاهرة وغدت مطالب مشروعة على طاولة المفاوضات مع حكومة نتنياهو ، ليست جديدة وليست تعجيزية ، وسبق لإسرائيل أن وافقت عليها وقبلت بها ، بإعتبارها حقوقاً فلسطينية غير قابلة للرفض من قبل الإسرائيليين ، أو التقليل من قيمتها وأهميتها للفلسطينيين  .

إذن ما الجديد في ذلك ؟
الجديد بإتجاهين وللطرفين ، الأول : أن تقبل حكومة نتنياهو وتستمع لمطالب حركة حماس التي ما زالت مهيمنة فعلياً وعملياً على قطاع غزة منذ قرار حسمها العسكري في حزيران 2007 ، بما فيها مطلب نقل الأموال من قطر لتغطية رواتب الموظفين المدنيين والعسكريين ، الذين سبق وأن عينتهم حركة حماس بعد إستيلائها على السلطة منفردة في حزيران 2007 ، والبالغ عددهم أكثر من أربعين الف موظف .

والثاني : قبول حماس للتفاوض غير المباشر مع الإسرائيليين ، وقبولها لشروط الإسرائيليين والتجاوب معها ، ومحاولة تحسين هذه الشروط وتطويرها ، وهي شروط ومطالب لم تتجاوز ما سبق وأن وفره إتفاق أوسلو ، وتداعياته ، وما إنبثق عنه من إتفاقات جزئية وتفصيلية ذات طبيعة عملية وإجرائية ، وهذا يعني أن مطالب حماس والوفد الموحد ما زال سقفها إتفاق أوسلو بين حكومة تل أبيب ومنظمة التحرير الفلسطينية ، وحكومتها  ( خالد مشعل قال يجب أن نكون شركاء في الحرب وفي السلم ) 

لقد فتحت حرب الجرف الصامد بوابة التعامل والتفاوض غير المباشر ، بدون إنهاء حالة الحرب أو إلغاء العداء العميق بين المشروعين : المشروع الإستعماري الإسرائيلي ، والمشروع الوطني الديمقراطي الفلسطيني ، ولكنه البدايات الضرورية للمفاوضات المباشرة بين إسرائيل وحماس الأكثر عداء لبعضهما البعض ، مثلما كان وسبق أن تطورت المفاوضات بين إسرائيل مع حركة فتح . 

إسرائيل ما زالت ترفض حماس ، وحماس ما زالت لا تعترف بإسرائيل ، ولن يشترط أحدهما على الأخر تغيير مواقفه ومشاعره ، حتى يقع التفاوض ، فالتفاوض بين الأعداء يستمر ويتواصل لسنوات وسنوات حتى يقع الإعتراف والأقرار ، فالمفاوضات الصينية الأميركية إستمرت من عام 1949 حتى عام 1963 وهما أكبر دول العالم ، وكان التفاوض بينهما متواصلاً لسنوات ولم يكن إعتراف أو إحترام أو قبول لواحدة منهما للأخرى ، حتى وقع الإعتراف بينهما .


h.faraneh@yahoo.com



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد