حرّروا فلسطين من العرب - مسعودة بوطلعة

mainThumb

28-07-2014 11:46 PM

صَعقتْ صورة طفلة في التاسعة من عمرها، وهي تركض عارية بين الحقول هربا من قذائف "النابالم" الأمريكية، الرأي العام الأمريكي سنة 1972، وقلبت الموازين لصالح الرافضين للحرب على الفيتنام. كما هزّت صور الموتى في رومانيا (رغم أنه تبين لاحقا أنها مفبركة) الرأي العام الأوروبي، وأدت إلى إعدام تشاوسيسكو وزوجته، وفعلت الشيء نفسه صور المجازر في البوسنة، فحوكم مرتكبوها في صربيا.. فلِم يموت الضمير الإنساني أمام صور أشلاء الأطفال الفلسطينيين اليوم؟ هل أضاع الأمريكيون ضمائرهم؟ أم تم إعدام الضمير الأوروبي مع تشاوسيسكو؟ أم أن الفلسطينيون ليسوا بشرا في نظر العالم؟..أم أن أكثـر من  300 قناة عربية عجزت عن نقل صور جثث الأطفال للعالم، وضاعت في فتاوى الزواج والطلاق والحرام والحلال، والحديث عن تعرية العورة وتغطية العورة والكحل والنمص وتفسير الأحلام، أم أن تلك التي تخصصت في إسقاط الأنظمة والمعارضين وتهديد الجميع بـ"غول الثورات" لم تجد الوقت لتسقط العالم على رأس إسرائيل؟ أم أن الدم الفلسطيني لا يصلح إلا للمتاجرة. في الواقع.. لم يمت الضمير الإنساني، وهناك في العالم من الأحرار والشرفاء من يرفضون ما يتعرض له الشعب الفلسطيني. لكن ما حدث أن الدم الفلسطيني تفرق بين العرب، ويشبه وضعه قصة ذلك اليتيم الذي يعاني الجوع، وكلما تقدم أحد ليساعده صرخ عمّه، أنا كافله، إلى أن توفي اليتيم من مرض الأنيميا.. كيف للضمير الإنساني أن يدافع عن قضية يتبناها أكثـر من مليار مسلم ؟.. كيف للضمير الأوروبي أن يدافع عن شعب وراءه أكثـر من 20 دولة عربية، حوالي نصفها مصنّف من أغنى الدول في العالم؟ أليس عارا هذا؟ كيف ينظرون لأطفال يكفلهم باسم العروبة أكثـر من 200 مليون عربي؟ كيف ينظرون إلى قضية يقدّسها عبر التاريخ أكثـر من خمس سكان العالم؟..

عندما تضامن الأمريكيون الأحرار مع الفيتناميين، كان الشعب الفيتنامي وحيدا يصارع الموت، لا وراءه، لا "مفرقة الدول العربية"، التي لا تجتمع في قمة إلا ونزل الوضع الفلسطيني والعربي إلى الهاوية، ولا يلتقي روادها إلا لإفراغ نفايات خلافاتهم، واستخراج أجندات حساباتهم السياسية والمالية. فما على الشعب الفلسطيني الذي تعلمت أيضا بعض أطرافه المتاجرة بآلامه ودمائه، أن يتحرّر من التبعية إلى عرب أثبتوا فشلهم حتى في انتزاع حقوقهم.. على الفلسطينيين أن يتوجّهوا إلى الضمير الإنساني العالمي، أن يخرجوا القضية من زجاجة العرب التي خنقتها ويرموها إلى الإنسانية جمعاء، لا باسم الأرض المقدسة التي دنسها أشباه العرب ولا باسم صلاح الدين الذي لم يكن يوما عربيا.. فقط أن يقدموها للعالم كقضية شعب مستضعف على الأرض، من حقه أن يكون له أرض ووطن ودولة، شعب تشرّد منذ 1948 وعلى المجتمع الدولي أن يتخلص من أنانيته ويعطيه حقه في العيش في سلام.. على الفلسطينيين وكل أشراف العالم أن يخاطبوا الضمير الإنساني ويحرروا فلسطين من العرب أولا، لأن العرب عُرفوا على مر التاريخ بالتجارة، ولا يفرقون بين العطر والدم والبترول، ففطرتهم المتاجرة بكل شيء.. فاجعلوا قضية فلسطين قضية الإنسان، يشترك فيها الضمير الإنساني في أمريكا وأوروبا وآسيا، وتجتمع حولها كل الضمائر الحية في العالم .. كفوا عن المتاجرة بمصير شعب باسم العروبة، وباسم محمد وباسم حمد وباسم سعود أو قدور أو بوعلام.. اتركوا فلسطين للضمير الإنساني فقط أينما وُجِدَ.  

 

* الخبر الجزائرية



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد