مؤامرة - جمانة حداد

mainThumb

23-06-2014 07:58 PM

من روتيننا اليومي: مؤلّفٌ يتصل ليسأل لماذا لم نكتب بعد عن مؤلّفه؛ رسّامة تتصل لتستنكر أننا لم نكتب بعد عن معرضها؛ ممثل يتصل ليشكو أننا لم نكتب بعد عن مسرحيته؛ "شاعر" يعترض على نشر مقال نقدي حول مجموعته خلا من أعشاب التملّق الضارة؛ شاعر ثان يرسل ديوانه موقّعاً بسيل مخجل من المدائح (يظنها ضماناً لمراجعةٍ مجامِلة)؛ روائي يوزّع إصداره الجديد مع مقال جاهز عن إصداره الجديد (كما لو ان الصفحة الثقافية بريد قراء)؛ وهكذا دواليك، من المساومات البغيضة وعروض التزوير والنفاق المسمّمة، ومن سمفونية "حكّ لي كي أحكّ لك" الممطوطة، حتى يكاد الأوكسيجين ينقطع تماما في بعض الأيام وتصبح درجة التلوّث قاتلة.

لنا، في الصحافة الثقافية، ثقب أوزوننا الخاص، وهو لا يقل خطورة عن ذاك الأصلي الذي في الجوّ. عشرات الروايات والدواوين تصل الى أيدينا كل أسبوع، معظمها غثّ وقليلها جيّد سمين. روايات ودواوين بالعشرات، بعضها يولد بإصدار خاص، وبعضها الآخر بـفضل دور نشر محترمة ومعروفة. روايات ودواوين منفِّرة، مشوّهة، عليلة، لا مفرّ من أن يتساءل قارئوها: كيف يجد بعض الكتب طريقه الى النشر؟ في أيّ لحظة "تخلٍّ" ترى النور؟ كيف يتجاسر كاتبها أن يتخذ القرار بـ"إجبار" آخرين على قراءتها؟ أيكون الدافع ثقة عمياء في بنات الأفكار (الخائنات جدا وغير المستحقات الثقة في هذه الحال)، أم رغبة لاواعية في الانتحار على هوى التفسير الفرويدي؟

روايات يقدّم لها كتّاب مثقفون وعارفون، يمدحون "عفويتها" و"بساطتها". دواوين ذات عناوين طموحة، منها ما هو مكتوب على البحر الطويل، ومنها الوافر والبسيط والكامل و... المستحدث، ومنها النثري المسجَّع باعتزاز. وهلمّ جرّاً من رصف كلام وخربشات وتخبيصات لا تضيف شيئا الى الأدب والشعر، بل ظنّي المتواضع أنها تنقّص.

                                                                      * * *
مربكٌ حبّ بعض الناس لنا (لا أتكلم هنا على "الادعاءات" بل على المشاعر الصادقة)، فهو يفرض علينا ضمناً أن نبادلهم هذا الحب، وإلا كنا جاحدين عاقّين. "أحبّك"، تعني "يجب أن تحبّني/ تحبّيني". الأفدح: "أنا معجب جدا بكتاباتك"، تعني غالباً "يجب أن تعجب/ تعجبي جدا بكتاباتي".

حبّ بعض الناس الصادق لنا، مؤامرة "استخباراتية"، خبيثة لفرط براءتها، هدفها السري اللامقصود تجريدنا من سلاح موضوعيتنا وجعلنا مزعبِرين رغما عنا، وإصابتنا بلوثة الجبن.

لا، ليست بارانويا: حبّ بعض الناس الصادق لنا، هو، أحياناً، افتك أشكال الاحتيال علينا.

joumana.haddad@annahar.com.lb



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد