العائلة – النظام والعائلة – الدولة 2

mainThumb

22-04-2014 10:58 AM

   التسلسل التاريخي لحكم العائلات الذي تمثل في الملكيات في أوروبا بشكل كبير يؤكد على استيعاب الملوك والأمراء وطواقم المستشارين والمعاونين وإدراكهم الواعي لأهمية اكتساب الشرعية الدستورية و الشعبية والقانونية,عندما أحكمت التاقلم السياسي والاجتماعي مع تطور حركة التاريخ الإنساني في مختلف الميادين السياسية والاقتصادية والاجتماعية والإدارية بأشكال من الديمقراطية التي تلاءمت وأوضاع كل دولة منها,فنشأت الملكيات الدستورية,وملكيات محافظة أو حافظة للدستور,مستلهمة خلاصات القراءات المستقبلية لتطور الإنسان وما تحملة التقنيات ومخرجات العلوم وأبحاثها ودراساتها من ظروف جديدة تتغيرمعها الأفكار والآراء والمواقف والوسائل والمفاهيم,وكذلك القيم  بما في ذلك توزيع الأدوارعلى مكونات المجتمع الإنساني في صنع القرارات المرتبطة بمصير وطنهم والمتعلقة بمصالحهم الوطنية التي هي في الأصل محصلة مصالح كل مكون من مكونات المجتمع,حيث استقر مسار التحول في مكونات المجتمع على وضع التعددية الطبيعي.

    وشمل التغير شكل المجالس التشريعية وصلاحياتها والمؤسسات الرسمية والأهلية ووظائفها ودورالتجمعات الحزبية والنقابية ومهامها. وعمدت هذه المؤسسات إلى حماية الحقوق العمالية وحقوق المواطنة والحريات الأساسية للإنسان التي تحقق له كرامته وتحسين جودة العمل ومستواه المهني, وقد ظل المواطن محوركل هذه التغيرات بغض النظر عن مصدرها,ووجدت في المواطنة ضالتها في التواصل مع قيم  المساواة والعدالة,واعتمدت أسس الحوار والتوافق في ضمان مصالحها,والحفاظ على مكتسباتها.

    ونشهد إلى يومنا هذا النظم الملكية في العديد من الدول الأوروبية والآسيوية والعربية التي مازالت قائمة,وتستمد شرعيتها من أنها تستجيب لضرورات التغير وتتكيف مع تطلعات الوطن وحاجات مواطنية واحتياجات الحفاظ على استقلاله وسيادته الوطنية.

    كما أننا ما زلنا نشهد في هذا القرن الواحد والعشرون,من عمر التاريخ نظما ً مسيرة بمبدأ العائلة – الدولة,أي تحكم عائلة بأفرادها المنتسبين إليها,يتولون المناصب السيادية و الهامة في إدارة شؤون البلاد,ويتحكمون بثرواتها المالية والطبيعية,وأيضا ً البشرية حيث يتكرمون على بعض أفراد العائلات الأخرى بالنسب لكسب التأييد بموقع سياسي هامشي,أو رتبة أمنية ثانوية,أومنصب عسكري يشترط الولاء التام للعائلة والعائلة دون سواها,وتوارث أبنائها للسلطة.ولا تتفق أي صياغة دستورية بالمعنى المفاهيمي أو المرجعي للدستور الذي يعتبر منهل التشريعات الناظمة لإدارة الدولة المركبة من مراكز قيادة وخبراء إدارة يمكنهم وضع الدولة في موقعها المعاصر بمهنية عالية,لا تتفق مع شكل العائلة – الدولة,لأن العائلة هي الدولة والدولة بمثابة ملك للعائلة,يتصرفون بها بحرية قراراهم ورغائبهم ومستوى وعيهم السياسي والدبلوماسي الذي ينحصر في دائرة ضيقة من الولاء لتسليم الإرث إلى الورثة.وهي دولة معادية بطبيعتها للحزبية ونشاط أحزابها,وللمؤسسات النقابية ودورها المهني,وللحريات الأساسية في الدولة ذات التكوين الطبيعي,مثل حرية الرأي وحرية الإعلام , حرية الحوار في القضايا العامة,حرية الثقافة ..... وتكون شريكة في كل استثمار تتيح لغير أفراد العائلة المشاركة به,على الرغم من تصرفها التام بكل الثروة المالية التي تلتهمها بنهم لا تضاهيه أطماع بشرية. وصيغة العائلة – الدولة,هي المرادف لصيغة الدولة المحتكرة لكل مقوماتها ولكل ثرواتها ولكل تطلعاتها ولكل مستويات المعيشة للمواطنين الطيعين المطيعين لولي الأمر فيها وأبوة السلطة ورضاها وعطفها على رعاياها

    المعضلة الأساسية التي تواجه كيان العائلة – الدولة,تقع في قدرتها على الحفاظ على استقلالها الوطني,على استقلال قرارها السيادي في أي من المجالات الدفاعية والاقتصادية والسياسية.لأن تشكل هذه الدول لا يمكن أن يكون نابعا ً من إرادة جماعة لها تأثير غالب على إرادة مكونات المجتمع التعددية,ولا يمكن أن يتمخض هذا التشكل عن مجموعة إرادات لعدد من مكونات المجتمع بغض النظر علن حجمها العددي,أو وزنها الاجتماعي,إذ تحتاج في قيامها إلى دعم خارجي مؤثر وقوي,وتظل بحاجة إلى حماية خارجية أمنيا ً وعسكريا ً بغض النظر عن حجم الدولة وكميات السلاح التي تبتاعها لحماية أمن النظام الذي يأتي فوق أمن المواطنين ,ومقدم على أمن الوطن.

    وقد كانت كل من الولايات المتحدة,والقوى الاستعمارية الأوروبية وراء تشكل هذا النمط من الدول لتضمن مصالحها الاستراتيجية في الطاقة وفي الحفاظ على أمن القوى الصهيونية المحتلة لفلسطين,وهي قصة معروفة وليست بحاجة إلى إثبات أو تأكيد ليس فقط بالشكل الذي تقوم تلك الدول عليه ويبني كيانها العائلي من خلاله, وإنما بالدورالذي تلعبه هذه الدول صغيرها وكبيرها في الحفاظ على مصالح أميركا والغرب,وفي محاربة التيارات السياسية الوطنية والتقدمية ومعادات النظم القومية,لأن النظام القومي هو نظام معاد لقوى الاستعمار والاحتلال بالضرورة.

    العائلة – النظام, والعائلة - الدولة ,شكلان للنظم الحاكمة التي تتزامنان فقط في بلادنا العربية,وهذا ما يدعونا إلى إضافة سبب لسؤال قديم طرحناه على صفحات هذه الجريدة الإلكترونية, ومفاده – لماذا تفوق جوارنا علينا ؟– وأسئلة طرحها العديد من المثقفين العرب وغير العرب حول لماذا تأخر العرب عن المساقات الحضارية وأسباب التقدم؟



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد