البلاغ الأخير للقائد العام ..

mainThumb

12-01-2014 08:09 PM

بنو هاشم هم أشرف فروع قريش، وقريش هي أشرف قبائل العرب، وهكذا كان النبي محمد عليه السلام، نبياً عربياً قُرشياً هاشمياً، كرّمه الله بالرسالة ليكون للعالمين بشيراً ونذيرا، وجعله الله خير البشرية نفساً وخيرهم بيتاً وأعظمهم شأناً، فكانت مكانته بين قومه عالية، وفي الخلق سامقة.

ولعل ما يمكن أن نذكره اليوم ونحن نعيش ذكرى مولده الكريم، هو آخر أيامه عليه السلام، ولعل أكثرها إيجازاً للحقيقة خطبته الشهيرة في حجة الوداع، التي كانت بمثابة بلاغ أخير للناس من قائد عظيم: ( أيها الناس إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام إلى أنْ تلقوا ربّكم، كحرمة يومكم هذا، وحرمة شهركم هذا، وإنكم ستلقون ربّكم فيسألكم عن أعمالكم، وقد بلّغت، فمنْ كانت عنده أمانة، فليؤدّها إلى منْ ائتمنه عليها، وإن كل ربا موضوع، ولكن لكم رؤوس أموالكم لا تَظْلِمون ولا تُظلَمون، قضى الله أنه لا ربا..) وقوله: ( أيها الناس اعقلوا قولي هذا، فإني قد بلّغت، وقد تركت فيكم ما إنْ اعتصمتم به فلن تضلّوا أبدا، أمراً بيّناً، كتاب الله وسنة نبيه...)

أما العبرة العظيمة التي يجب أن تكون نبراساً لنا جميعاً، في الأردن أولاً، وفي عالمنا العربي ثانياً، وللأمة الإسلامية جمعاء، وهي ما ركّزت عليها خطبة الرسول الوداعية، فيمكن إيجازها في ثلاثة أمور مهمة:

الأول: صون واحترام كرامة الإنسان، وحُرمة دمه دون وجه حق، ولنا أن نتصوّر اليوم كيف يستحلّ المسلم دم أخيه المسلم، وكيف يستحلّ العربي دم أخيه العربي لأتفه الأسباب، لا بل إن حرمة الدم تنسحب على الجميع مسلمين وغير مسلمين، وسيقف هؤلاء القتلة أمام ربهم يوماً ليسألهم عما فعلوا وما أراقوا من دماء الناس دون وجه حق. وكأننا بالرسول عليه السلام يدرك بما ألهمه الله من علم ومعرفة بأن أحوال المسلمين وأحوال الأمة ستنقلب رأساً على عقب، لتشهد كل هذه الدماء المهراقة ظلماً وعدواناً..!!

الثاني: صون الأمانة والتعامل الاقتصادي بين الناس بالمعروف: وأول المعروف إرساء علاقات تبادلية اقتصادية سمحة بين الناس وتنزيهها عن الطمع والجشع والاستغلال، وأقبح أشكال الاستغلال هو الربا، الذي يُعدّ أحد أبرز معضلات العصر، وأحد أهم أسباب الدمار الاقتصادي للدول والأفراد، لما يسببه من استغلال بشع وإملاءات من قِبل منْ يملك المال سواء من الدول أو المؤسسات أو الأفراد لمن لا يملك هذا المال ويحتاج إليه، وما يترتب على ذلك من ظلم وتراكم للثروة في أيدي فئة قليلة على حساب غالبية عظمى من الناس، فتتراجع اقتصاديات المجتمعات والأفراد، ويسود الفقر، وتنتشر الجريمة.

الثالث: التعقّل والرشد في التعامل مع أمانة الكتاب والسنة، من خلال الالتزام الصادق بتعاليمهما، كطريق واضحة المعالم للهداية والحق، فيما العكس هو الضلال والهلاك، والفرقة والشتات.

حريُ بنا أن نقرأ بعين العقل سيرة رسولنا الكريم، ونفقه خطبته الوداعية العظيمة، لا سيّما ونحن نعيش حالة غير مسبوقة من الفوضى والضياع وفقدان البوصلة، وأن نستفيد من المكانة التاريخية المميزة لشخصية عملاقة كشخصية الرسول محمد عليه السلام، وأن نوجّه رسالة لسلالته الطيبة الكريمة من آل هاشم، ومن ملوك الهاشميين تحديداً: أنْ أقيموا العدل بين الناس، واسعوْا بينهم بالحق والمعروف، وخذوا على أيدي الظالمين من المَرَقَة والمفسدين.. واعلموا أن العدل أساس المُلك، ومرضاة للرب، ولن يُعينكم على إقامة العدل إلاّ الشرفاء الأنزاه من القوم، ولكم علينا الطاعة والولاء، أما أولئك الذين ما فتئوا يمزّقون مجتمعنا بالكراهية والإفك، فإن إقصاءهم عنوةً هو السبيل للخلاص من فسادهم، وتطهير مجتمعنا من رجسهم.. اللهم إنه بلاغ قائد البشرية العظيم، وإني أعيد تبليغه، اللهم فاشهد، اللهم فاشهد..

Subaihi_99@yahoo.com



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد